سؤالنا الذي غاب!
كان التوقيع على اتفاق أوسلو في أيلول من العام 1993 إعلاناً عن نهاية لمسار حمل البندقية عند الفلسطينيين الذي انطلق مطلع العام 1965 كوسيلة مشروعة لاسترجاع الأرض وقيام دولة فلسطين على أرضها التاريخية، والفعل، أي إعلان التوجه سلمياً، كان نتيجة لتحسس المتغيرات الدولية الحاصلة بفعل انهيار منظومة الدول الاشتراكية 1989، ومن بعدها تفكك الاتحاد السوفييتي 1991، اللذين كانا يمثلان حليفاً دولياً في مواجهة الغرب الماضي في سياساته الاستعمارية سواء بالاحتلال المباشر أو باستنزاف ثرواتها، والسيطرة على قرارها.
من ناحية أخرى كان اعتماد خيار العمل المسلح ذا أثمان باهظة سياسياً، فهو كان يمثل بالنسبة للغرب ذريعة لوسم الفصائل الفلسطينية التي تمارسه بـ”الإرهاب”، الوسم الذي كان يستخدم عادة في مواجهة الدول والمنظمات التي لا تتماشى مع السياسات الغربية عموماً والأمريكية على وجه الخصوص، مع تسجيل نقطة مهمة في هذا السياق هي أن كلا الاثنين -أي الغرب وأمريكا- لا يزالان يرفضان كل الدعوات لوضع تعريف محدد للإرهاب، وآخرها كانت دعوة القائد المؤسس حافظ الأسد التي أطلقها في العام 1986 إبان محاولة إلصاق صفة الإرهاب بالمقاومة الوطنية اللبنانية الساعية لتحرير أرضها المحتلة في ذلك الحين.
ما بعد أوسلو بدأ سيناريو التفاوض من أجل التفاوض فقط، الأمر الذي أثبته تصريح لشمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، وعليه فقد ضاقت سبل السياسة لتحصيل الحقوق، الأمر الذي دفع السلطة الفلسطينية للجوء إلى القانون الدولي لعل هذا الأخير يحقق بعض ما عجزت عنه العسكرة والسياسة، وعليه كان التقدم بطلب انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية الذي تمت الموافقة عليه في نيسان 2015 بعد حملة سياسية ودبلوماسية كانت قد أطلقتها السلطة الفلسطينية مطلع العام 2014.
في الثالث من شهر آذار الماضي أعلنت المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية فانو بنسودا فتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب المرتكبة من الاحتلال الإسرائيلي، في الأراضي الفلسطينية، بعد تحقيقات قال مكتبها إنها استمرت على مدى خمس سنوات، وعلى الفور خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس ليعلن عن إدانة إدارته لذلك القرار، لكنه تلقى سؤالاً محرجاً من الصحفي “مات لي”، لربما غاب عن ذهن الكثيرين، ولم يكن يتوقعه برايس بالتأكيد، سأل الصحفي هذا الأخير: “إلى أين يجب على الشعب الفلسطيني أن يتوجه إذا لم يتمكن من الاعتماد على المحكمة الجنائية الدولية؟”.
حاول برايس التهرب من الإجابة عبر تكرار الإدانة لقرار المحكمة، لكن الصحفي أعاد سؤاله: “إلى أين يذهبون؟”.
السؤال مهم، وأهميته تتأتى من عجز السياسة، بعد استبعاد خيار المقاومة، عن دفع كيان الاحتلال لاستحقاقات السلام، فهل يستطيع القانون الدولي فعل ما عجز عنه الاثنان؟.