التّطبيع الثّقافي … أشكاله وآلياته وسبل مواجهته

“القدس إليك سائرون” بداية سلسلة ندوات أسبوعية يقيمها اتّحاد الكتّاب العرب بدمشق، للإضاءة على الموقف الشعبي السّوري من التّطبيع مع العدو الصّهيوني، أمّا النّدوة الأولى فكانت بعنوان: “التّطبيع الثّقافي هل ينجح بتدمير الهوية؟؟” والتي استهلها الدّكتور صابر فلحوط بالقول: كلّ ذرّة من تراب الوطن العربي مقدّسة وكلّ ذرّة تراب في القدس المحتلة مقدسة، والقدس سيّدة المقدسات، لقد كان حلم الصّهاينة منذ عام 1897 في “بال” أن يجدوا عربياً واحداً في مقهى ما يردّ السلاّم عليهم، وإذ بهم يرون العرب من آبار النّفط يذهبون مع نسائهم وبناتهم ليباركوا هذه الخطوة التّطبيعية الكبيرة، مع العلم أنّ التّطبيع يجب أن يكون بين مختلفين، لكن من طبّع لم يطلق رصاصة مطاطية في وجه كيان العدو.. منهم من يبارك علناً والأخطر هو من يبارك سراً، مبيناً: بداية المشكلة كانت عام 1897 مروراً بما سمّي بالثورة العربية الكبرى وإطلاق الفرس الشّقراء ونكبة الـ48 وكيف كنت الجيوش العربية السّبعة تتجه بصدق ووفاء وبراءة ولم تعلم ماذا فعل قادتها أصحاب القرار وبعد نكبة الـ48 العرب جميعاً لم يأخذوا القضية الفلسطينية على محمل الجدّ وبعد الـ67 والنكبة الثّانية حسّنا صورتها بقواميسنا وقلنا إنها نكسة.
وتحدّث فلحوط عن ثبات الموقف السّوري تجاه القضية الفلسطينية عبر التّاريخ، الرّاية التي حملها السيد الرئيس بشار الأسد عن القائد الخالد حافظ الأسد، وهنا يبين الدّكتور خلف المفتاح أهمية قراءة التّاريخ والاستفادة منه والتّركيز على الجانب المضيء منه، يقول: علينا قراءة الجانب المضيء من التّاريخ الذي يجعلنا نعتقد أكثر بأننا قادرون على تغيير المعادلة وأن نحيل أسباب ما جرى إلى أنّ هناك عدو امتلك الحلفاء والأدوات وحقق أهدافه وألّا نحيل الأمر إلى الخيانة فقط ونكرّسها لأنّ هذا لا يخدمنا وإن كان هناك خيانة، لكن الأمر المهم هنا هو أنّ العدو امتلك الأدوات والحلفاء والقوة ولاسيّما القوة المعرفية، لذلك فإنّ كيان العدو نشأ علمياً قبل أن ينشأ سياسياً.
ويضف المفتاح: التّطبيع كلمة غير صحية وهي مفردة كاذبة خادعة يراد منها شرعنة وجود كيان الاحتلال وألّا تثير كلمة “إسرائيل” أي حساسية لدينا، كما أنّ التّطبيع ليس الهدف منه الاعتراف به من الحكّام بل من الشّارع العربي وهم يدركون أنّ الشّعب العربي ليس معهم.
ويؤكّد المفتاح القول: علينا ألّا نستعجل وألّا نستسلم وأن نعطي زخماً معنوياً، فالهزيمة النّفسية أكبر الهزائم.. نحن انتصرنا وعلينا أن نبني على هذا الانتصار ومن المهم تشكيل إطار محور مقاومة ثقافي ويتجاوز المحور الحالي ـ على قوته ـ بشكل أوسع وعلينا تحديد عناوين والاشتغال عليها في النّدوات بشكلٍ منظّم.
بدوره، تحدّث الدّكتور حسين جمعة عن التّطبيع الثّقافي مبيناً أنّ التّطبيع الثّقافي يتّصف بإرادة واعية ومسؤولة تخطط بدّقة وفق برنامج محدد لتصل بالمجتمع العربي إلى تحقيق ثقافة طبيعية مع الكيان الصّهيوني الغاصب للأرض والحياة والتّراث وهو الأشدّ خطراً على الأمة من أي تطبيع سياسي أو اقتصادي أو عسكري، مضيفاً: التّطبيع الثّقافي يستهدف الهوية الوطنية والقومية بمثل ما يستهدف شرعنة الوجود الصّهيوني على الرّغم من أنّه يحمل عنصريته العدوانية في طبعه وثقافته وتربيته وتعليمه وتعاليمه وقلب الصّراع من صراع وجود إلى صراع حدود وإضفاء الشّرعية على الاحتلال والاعتراف بالكيان الصّهيوني في الإطار الجغرافي الكائنة فيه وفق ما أظهرته الأجندة الصّهيونية في شأن التّطبيع الثّقافي منذ اتفاقية (كامب ديفيد) ولاسيّما البند الرّابع من الملحق رقم (3) وينصّ على أن يعمل الطّرفان على تشجيع التّفاهم المتبادل والتّسامح وأن يمتنعا عن الدّعاية المعادية وأن يسعيا إلى فهم أفضل لحضارة وثقافة كلّ منهما من خلال تبادل المطبوعات الثّقافية والتّعليمية والعلمية وكانت تلك الحكومات تتوخى أن يوافقها الشّعب العربي على إجراءاتها ولكنّ فألها خاب.

وفي ماهية ثقافة التّطبيع وآلياتها يقول جمعة: وضعت الدّوائر المطبعة مع العدو الصّهيوني بدعم غربي ـ أمريكي خططاً تعتمد على الإغراء والخداع والتّضليل وتمويل المؤتمرات والنّدوات والمحاضرات والزّيارات واللقاءات التي يستدعى إليها بأسلوب حداثي دبلوماسي بعض المثقفين ممن تبنى ثقافة الانفتاح والحوار مع الآخر مثل الكاتب المسرحي المصري علي سالم وسعد الدين إبراهيم اللذين زارا الأرض المحتلة بموافقة الكيان الصّهيوني غير مرّة وصارا وجهين صريحين من وجوه ثقافة التّطبيع وسياستها، ومن بعد وجدنا مثقفين آخرين ينقضّون على فكرة القومية العربية ويدعون إلى التّطبيع الثّقافي مع العدو، أي انقلبوا إلى مقاولين في ثقافة التبعية والانسلاخ من جلودهم والتّنكر لهويتهم، ومن ثمّ محاربتها وقد تنوّعت أشكال التّطبيع الثّقافي لديهم حتى انتهى الأمر إلى زيارة وفود عربية لكيان العدو والعكس أيضاً، مضيفاً: إلى ذلك ذهب العدو إلى توسيع الوعي بمفهوم الديمقراطية الفردية والجماعية وتوسيع الوعي بحوار الآخر، كذلك تدفقت وتحت غطاء الحرية والدّيمقراطية أشكال غريبة من الثّقافة التي أخذت تشيع في إطار ثقافة العولمة التي تساوي الثّقافة الرّأسمالية الشّاملة المتعددة الأبعاد.
وبيّن جمعة أنّ ثقافة التسامح والتآخي بين الأديان إنّما هي وسيلة خلقية لمن يتّصف بالصّدق ويؤمن بالآخر أمّا الكيان الصّهيوني فإنّما يجعلها أدوات ينفذ منها إلى تحطيم هيبة الدّول، منوّهاً: لا يفوتنا هنا أن نشير إلى علاقة الإعلام العربي المطبع بالثّقافة فهو قرين وأداة من أدواتها، وهو من أدخل عدداً من الصّهاينة إلى بيوت الكثيرين مثل قناتي “الجزيرة” و”العربية” وأتاح لهم حرية الرّأي والتّعبير لمخاطبة أبنائنا وأسرنا ومارسوا أسلوباً خبيثاً في تشويه مفاهيم الثّقافة العربية، وقللوا من جدوى مقاومة المشروع الصّهيوني.
أمّا كيف نواجه التّطبيع؟ فيوضّح جمعة: علينا أن ننجز مشروعاً وطنياً قومياً ثقافياً متكاملاً يقف في مواجهة التّطبيع وأركانه وأدواته لتجاوز حالة التّمزق العربية، وأن نطرد وهم ترويض العقول، لكن العقل لم ينخدع بالتّضليل الذي يمارسه العدو ولا أدلّ على هذا مما فعلته النّقابات المهنية الأردنية بنشر قائمة سوداء بأسماء المطبعين وكذلك وجدنا في البحرين “الجمعية البحرينية لمقاومة التّطبيع” و”شباب لأجل القدس” ناهيك عمّا يحدث في تونس والكويت ولبنان من مواجهة حالات التّطبيع المختلفة.

ت: عبد الرّحمن صقر

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار