يبدو أن رقعة الاستياء الأوروبي من التهديدات الأمريكية باستخدام سلاح العقوبات تتزايد بإطراد في الآونة الأخيرة، خاصة عندما يصبح المسؤولون الأوروبيون في حل من التزامات المنصب السياسي.
ما عبر عنه بيير فيمون السفير الفرنسي الأسبق في الولايات المتحدة، والذي شغل سابقاً منصب مبعوث الرئيس الفرنسي للتعاون مع روسيا، خير دليل على هذا الرأي.
بالتوازي يؤكد محللون سياسيون أن وتيرة رفض أوروبا لسياسة العقوبات الأمريكية تتصاعد، وأن أوروبا تنظر إلى السياسة الأمريكية الخارجية، على أنها تنطوي على مخاطر جسيمة لكل من أوروبا والولايات المتحدة.
وقال فيمون، في مقابلة مع صحيفة “إيكو” نشرت اليوم الاثنين: “يستمر تشديد العقوبات العابرة للحدود، التي أصبحت سلاحاً مفضلاً للدبلوماسية الأمريكية الساعية إلى محاسبة كل من لا يتبع نهجها السياسي تجاه روسيا وإيران”.
أضاف: “يتزايد عدد الأوروبيين الذين يعتبرون مثل هذه التصرفات غير مقبولة، برلين أدركت هذا الأمر أفضل من الآخرين بعد مواجهتها الضغوط الأمريكية بسبب خط أنابيب الغاز السيل الشمالي 2. وهذا الموضوع يخص كذلك المؤسسات الأوروبية”.
واعتبر الدبلوماسي الفرنسي أن مشروع “السيل الشمالي 2” اقتصادي، معرباً عن أسفه بسبب الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تعارضه مجموعة دول لدوافع سياسية وتعتقد أنه “مفيد لدرجة مفرطة للمصالح الاقتصادية الروسية”.
يبدو أن السيل بلغ الزبى بالنسبة للأوروبيين الذين ضاقوا ذرعاً بقرارات واشنطن الأحادية في العلاقات الدولية، وتبعية البعض العمياء لهذه السياسة، ما يرتب أعباء اقتصادية كبيرة على أوروبا وهو الأمر الذي دفع الكثير من المسؤولين الأوروبيين لإعلاء صوتهم رفضاً لهذه السياسات..
الدبلوماسي الفرنسي لفت إلى أن الأوضاع لم تتغير حتى بعد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لأن الكونغرس يمارس ضغطاً على السلطة التنفيذية الجديدة بقيادة جو بايدن لتكثيف العقوبات ضد مشروع المشروع الروسي.
وتابع فيمون: “لقد واجهنا وضعاً مماثلاً في عهد الرئيس رونالد ريغان عام 1982 بسبب خط أنابيب الغاز “سويوز” علينا العمل بطريقة استباقية”.
لقد استخدمت سياسة العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط مفضلة لدى واشنطن، كما سارت على نهجها العديد من الدول الأوروبية على نطاق واسع، ولكن عندما تضررت مصالح الأوروبيين من وراء هذه السياسات وباتت شركاتهم تأن، بدأت الأصوات تتعالى وتحذر، وليتها تحركت إحساساً منها بالأضرار الكبيرة باقتصاديات الدول المستهدفة وشعوبها، وهو ما لا يحصل، ما يبعث على الاستغراب جراء هذه المقاربات التي تنم عن ازدواجية في المعايير..
معاقبة الدول لأهداف سياسية تثير تساؤلات كثيرة، لأن هذه السياسة المتبعة خارج إطار القوانين الدولية تخلو من المنطق والاتساق، إذ إن الحروب التجارية، وبناء الجدران، وفرض العقوبات سوف يؤثر على الشعوب ويزيد من المشكلات، وليس هناك دولة -أي دولة – ستقول إننا أرغمنا بسبب العقوبات على العمل على هذا النحو، كما يقول كريستوف دازه، خبير الشؤون السياسية في جامعة فرانكفورت. بل إن دازه يشكك فيما إذا كانت العقوبات المعلنة من الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران عقوبات في حد ذاتها، “العقوبات هي في الحقيقة تكاليف تُفرض على فاعل خرق قانوناً عاماً”، يقول دازه. “إلا أن إيران التزمت بالاتفاقية النووية- ويجب الآن معاقبتها؟”.