الجمعيات الشهرية.. حل مؤقت أمام الأسرة لمواجهة موجة الغلاء الفاحش
هي ليست بظاهرة جديدة أو حديثة، ولكن الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار الجنوني وضيق ذات اليد بسبب الإجراءات القسرية أحادية الجانب والحصار الأمريكي الجائر على سورية زاد من انتشارها واتساعها بين الموظفين وغير الموظفين، فالجمعيات الشهرية وعلى قلة مبالغها في بعض الأحيان باتت منفذاً لتأمين المؤونة، أو شراء المستلزمات المدرسية ودفع فاتورة الهاتف والكهرباء وغيرها من احتياجات الأسرة، كما تقول المهندسة سحر القضماني التي توزع راتبها على أكثر من جمعية مع زملائها وجيرانها، معتبرة أن الجمعية أفضل من القرض، فهي بلا فوائد ويستطيع الشخص تحديد دوره وفقاً لحاجته.
الاختصاصي في التنمية البشرية وائل الحسن وفي سؤال لـ”تشرين” حول الموضوع أفاد: تمثل الجمعيات الشهرية – التي باتت ظاهرة رائجة في وقتنا الحالي وخلال السنوات الأخيرة – أحد البدائل المفضلة التي يلجأ إليها الباحثون عن تمويل دراسة جامعية، أو إجراء عملية جراحية، أو حتى سداد دين، بعيداً عن فوائد المصارف المرهقة واشتراطاتها المعقدة، فمن الصعب على الموظف أن يوفر من راتبه الذي بالكاد يكفي أساسيات الحياة، ولكن الاشتراك في جمعية يلزمه باقتطاع مبلغ منه ومن دون المخاطرة بإنفاقه حتى يفي بالقسط الشهري للجمعية.
ولا يقتصر الاشتراك في الجمعيات على محدودي الدخل، بل يشمل الميسورين الذين تتباين دوافعهم، بين العجز عن تأمين الضمانات والكفلاء الذين تطلبهم المصارف، أو يسعون إلى الحصول على قرض خال من الفوائد.
ويضيف الحسن: إن اشتراك الموظفين أو ربات البيوت في الجمعيات يعتبر ظاهرة اجتماعية قديمة واستمرت لغاية اليوم، فهي تعتبر وسيلة للتمويل الذي لا يتطلب فائدة أو ضمانات كما المصارف، الأمر الذي ييسر على المواطنين شراء مستلزماتهم أو الوفاء بها من دون وضع شروط أو ضمانات لذلك.
ويرجع تاريخ فكرة “الجمعيات” بين الأفراد إلى القرن الثامن عشر، عندما كانت الحاجة إلى التمويل هي الباعث الرئيس وراء نشأة الحركة التعاونية في العالم، على يد الألماني “فردريش فلهلم رايفيزن”، حين واجه المزارعون في ذلك الوقت صعوبة في الحصول على القروض.
ولكن ومن وجهة نظر اقتصادية واجتماعية يمكننا القول إن الجمعيات لا تحقق الفائدة، كون المبلغ الذي يحصل عليه الفرد المشترك بها لا يتم استثماره، بل يتم إنفاقه بشكل فوري ولحظة قبضه، ولذلك لا يمكن اعتبار أن لهذا الأمر جدوى اقتصادية للفرد والأسرة، على اعتبار أنها أموال مجمدة، والقيمة الفعلية لتلك المبالغ تقل في ظل الغلاء الذي نشهده كل يوم، بالإضافة إلى أن استقطاع مبلغ شهري للوفاء بما تم الاتفاق عليه في الجمعية سيخلق خللاً في نظام وميزانية الأسرة.
ليختتم الحسن حديثه بتأكيد أن الهدف من تنظيم هذه الجمعيات والاشتراك بها هو سد حاجة لا أكثر، وليس من أجل الاستثمار الجماعي، والأفضل هو التنظيم الاقتصادي والاستثمار بدلاً من الجمعيات، لأن الادخار هو المحك الحقيقي للجدوى الاقتصادية من العمل وتنظيم إنفاق الراتب، ولكن لابد من الإشارة إلى أن الصورة الاقتصادية لدى المجتمع ما زالت صورة ضبابية، فالمواطن ليس لديه النظرة الاقتصادية والخبرة في هذا المجال، وهو لا يجيد الكثير من الأساسيات في النواحي الاقتصادية، كما أن عملية الاستثمار لا تزال غائبة عن ثقافة مجتمعاتنا.