“.. أحلالي امشي وحدي .. بلا رفيق”!
أشبه بالرثاء، تلك العبارات التي ننبشها من صوتكِ الذي هزّنا في الثمانينيات مع أول إطلالة أعادت الأمل للأغنية السورية الغائبة بفرادتها والمغيبة بعوامل الإنتاج والتبنّي وسيادة الهشّ الهابط على حساب الراسخ الذي يحفر عميقاً في النفس .. نعم إنه الثنائي المختلف والمتكامل الذي شكلاه ميادة وسمير، وكان بمثابة نقطة ضوء جاهدت بكل قوتها كي تبقى محترقة تنير رغم الصعوبات الكبيرة ورغم العتم المحدق من كل جانب.. لقد فعلتها ومشت وحيدة بلا رفيق، لكنها مقابل الأسى الذي تركته بهذا الرحيل، فإن أملاً سيظل يبزغ في الأفق يحمل راية الفن النظيف الذي لم تسحبه الأمواج إلى الاستهلاك والتسويق والرداءة التي أصبحت اليوم جواز سفر في الطرب على نحو خاص..
تفاءل الجميع بصعود ميادة، وكانت المراهنة على انعطافة تعيد الأغنية السورية إلى رشدها بعدما تنازعتها لوثة الوجبات السريعة وكراجات الكاسيتات المارقة مع المسافرين بلا اكتراث.. كنا محتاجين مجد ذلك الصوت الفريد مع الموسيقا العالية والاحترافية المبدعة والجديدة، لذلك كان الرهان على إضافات مغايرة إلى جعبة الغناء لا تقل أهمية عما قدمته السيدة فيروز والرحابنة، وبالفعل انطلق المشوار وتمكنت ميادة من إثبات فرادتها في كل شيء، إنه الأمل الذي بدأ يكبر ليصبح شجرة وارفة الظلال عبر عدة ألبومات وشارات مسلسلات، لكن كل ذلك لم يكن يكفي، فميادة لديها الكثير لتعطيه وهو أكبر من كل ما شاهدناه إلى درجة أننا كنا جميعاً نراهن على الانعطافة والعودة إلى جذور الفن الأصيل.. ربما هو الموت الذي بكّر في الاختطاف وتضامن في ذلك مع العقبات والظروف العامة التي لم تترك المجال كي تعطي ميادة كل ما لديها بالفعل!.
رحلت ميادة، بكل فجائعية وبشكل فجائي، لم تمهلنا كي نصدق بأن الاختطاف يمكن أن يحدث في أية لحظة فلا ينتظر الوداع ولا يترك خيارات سوى العودة إلى الألبومات التي ستحكي القصة كاملة من دون زيادات أو تفسير وإغراق في الشرح.. “أحلالي امشي بلا رفيق” قالتها ميادة، عندما تركتنا وحيدين في هذا العالم الهشّ، كأنها أخذت كل الجمال معها..
كم أتمنى أن يكون رحيل ميادة مجرد كذبة، أو خطأ مطبعي يتم تلافيه بكل بساطة، لنقول لها بكل الحب: “كذبك حلو”!.