باع بيته ليعيد الحياة إلى مدرسة بلدته في الغوطة
سنوات الإرهاب التي مرت على بلدة المليحة في الغوطة الشرقية لم تترك في ذاكرة العم الخمسيني أبو عبدو إلا صور مدارس ضاعت معالمها وكتباً مدرسية محروقة فقدت ألوانها جراء إرهاب حارب العلم وحاول نشر سواد فكره المتطرف.
الصور التي زرعت غصة في قلب العم مظهر دغماش الملقب بـ أبو عبدو جعلته يعمل ليلاً نهاراً بمساعدة آخرين بعد تحرير الغوطة من الإرهاب لإعادة الحياة لمدرسة المليحة الريفية وليمسح عن كاهلها السحابة السوداء التي أنهكتها لسنوات حسب وصفه لمندوبة سانا.
وأثناء وقوفه إلى جانب البحرة التي أنشأها وسط المدرسة قال العم دغماش “معاملة الإرهابيين لنا خلال سنوات وجودهم ببلدتنا أظهرت لنا مدى حقدهم وكرههم للتعليم.. كانوا أشخاصاُ جاهلين ورغم الخوف والرعب الذي نشروه كانت زوجتي بحكم عملها كمديرة مدرسة تقوم هي وزملاؤها بجمع الطلاب في مدرسة واحدة وتعليمهم مناهج وزارة التربية”.
وعلى بعد أمتار من الطلاب الذين كانوا يلهون وسط باحة المدرسة التي أعاد أبو عبدو ترميمها بشكل تطوعي كمبادرة من المجتمع المحلي يستذكر العم بعض الحوادث التي مرت معهم في تلك السنوات “مع بداية الحرب عام 2011 حاول الإرهابيون تجييش أهالي البلدة ليشاركوا في المظاهرات وأجبروا العديد من الشباب على حمل السلاح ومن كان يرفض الخروج معهم أو حمل السلاح كما حدث معي أنا وزوجتي يطلقون عليه تسمية عوايني لمحاربته”.
ويتابع العم دغماش حديثه عن سوء تعامل التنظيمات الإرهابية آنذاك مع الأطفال ومحاولتهم مراراً منعهم من الذهاب للمدارس في بعض المناطق أو إلغاء عدد من المواد التي يتم تدريسها ضمن المنهاج وفرض كتب ومناهج قام ما يسمى “تنظيم جيش الإسلام” الإرهابي بطباعتها وإجبار المدرسين على إعطائها بالقوة بما تحمله من فكر إرهابي ومتطرف.
تهديد الإرهابيين للعم أبو عبدو بقتله هو وأفراد عائلته أجبرهم على النزوح لبلدة سقبا المجاورة مضيفاً بحرقة “خطفوني وحبسوني خمس مرات.. الله نجاني من بين أيديهم.. ما بخافوا الله.. لحظات دخول أبطال الجيش العربي السوري كانت كإشراقة شمس الصبح بعد ليل حالك.. بمجرد دخولهم عاد الأمل”.
لدى عودة العم أبو عبدو لبلدته وضع نصب عينه البدء بإصلاح المدارس وقال.. “عند عودتي كان همي أن أبدأ بإصلاح المدارس.. هي أهم جزء يجب العمل على ترميمها لأن الطفل والطالب الذي شاهد العنف والقتل والذبح والتخريب على أيدي الإرهابيين يحتاج الكثير لمسح هذه الصور من ذاكرته وتغييرها لصور إيجابية تسهم ببناء المجتمع ولا سيما أن الإرهابيين حاولوا زرع الكثير من الأفكار المسيئة والإجرامية بحق الجيش والدولة في عقول الأطفال”.
اليوم اختلف كل شيء بحسب العم أبو عبدو الذي يقضي أغلب وقته بالعمل في حديقة المدرسة وتعليم طلابها كيف يزرعون الورد والأشجار المثمرة ضمن نطاق المدرسة وطرق الاهتمام بها إلى جانب المواد الدرسية التي يتلقونها ضمن منهاجهم ويقول مبتسماً “أشجع الطلاب كل يوم على زراعة الورد والاهتمام به.. تغيرت نفسية الطلاب كثيراً أصبحوا يحبون مدرستهم أكثر.. زرعنا بدل إرهابهم ورداً”.
حبه للعلم وحزنه على ما مر على طلاب وتلاميذ بلدته دفعا العم أبو عبدو وفق حديثه لبيع بيت ثان كان يمتلكه ووضع المبلغ بأكمله تطوعاً لترميم وتأهيل مدرسة المليحة الريفية ضمن مساهمات المجتمع المحلي مع محافظة ريف دمشق والوزارات المعنية لإعادة تأهيل المدارس ووفق ذلك قام بتكريس المبلغ لإنشاء حديقة مرورية داخل المدرسة تضم عدداً من الشاخصات المرورية ومجسمات لأهم معالم البلدة والطرق الرئيسية لتدريب الطلاب فيها وتوعيتهم بقانون السير والسلامة المرورية.
“سانا”