نقد جبان

د. صلاح صالح

إن وجود (نقد جبان) لا يعني بالضرورة اقتراحه مقابلاً لـ (نقد شجاع) لكنّ الحركة النقدية الملحوظة في عموم المنطقة، يعبّر عنها – في جملة التعبيرات القابلة للتعيين – بالمؤسسات الأكاديمية التي يبدو أنّها تبذر الشهادات العليا وتنثرها، وتفرضها على كاهل مؤسساتنا التعليمية، بغزارة مريبة، والمسألة لا تتعلّق الآن بما جرى طرحه على نطاق واسع بشأن (إصلاح مؤسساتنا الأكاديمية)، بل تتعلّق بأزمة الكينونة التي يعانيها النقد العربي في عموم بلداننا العربية؛ وهي أزمة ناشئة أساساً عن تهميش الفكر الفلسفي، والنظر إلى معظم الأنشطة الفلسفية بالمنظار الفقهي الضيّق، ومع ذلك يعثر المتابع العربي على وفرة نسبية من الأنشطة الثقافية المحشورة في خانة النقد بشقّيه النظري والتطبيقي، في حال جواز الفصل بين هذين الشقين؛ فالمشكلة قائمة في الخلط المفهومي العريض بين النقد من جانب، وبين ما يبدو في سياقه, كتاريخ الأدب، والدراسات الأدبية، من جانب آخر. والأهمّ ماثل في تحرير النقد من الفكرة العامّة الذاهبة إلى أنّ النقد نصّ مشتغل على نصّ آخر قبله، وهو بهذا التحديد يبدو نصّاً ثانويّاً مشتغلاً على نصّ أوّلي هو النصّ الأدبي, وماثل أيضاً في تحريره من اختلاطه بموازياته القائمة في تاريخ الأدب والدراسات الأدبية، ذات الطابع المدرسي في القدر الأعظم من تمثّلاتها العينية؛ ثم النظر إليه بوصفه نصّاً متعالياً على سواه من النصوص المستهدفة بالنقد، وقادراً على التأثير العميق فيها، وفي سواها من النصوص المرشّحة للتخلّق والاكتمال.
تتجلّى الممارسات النقدية الجبانة في عدد من المظاهر التي يبرز منها لجوء قدر كبير من الأنشطة والممارسات النقدية إلى تناول أعمال جرى تناولها من قبل على نطاق واسع، بالتوازي مع تجنّب التعاطي مع الأعمال الجديدة، مهما بلغت جودتها، ويبرز منها أيضاً إسفافها في التدنّي إلى الاكتفاء بالانضواء تحت نير الدراسات الأدبية المكتفية بتبيان مكوّنات النصّ الأدبي وبسط عناصره الرئيسة، في ظلّ الاكتفاء بعملية التوصيف تحت ستار توخّي الموضوعية في مواجهة النص الأدبي، على طريقة الطفل القادر على اكتشاف مكوّنات (كعكة) الحلوى في عيد ميلاده, مثنياً على نفسه بالقول (يا لي من ولد شاطر) بحسب التعبير الساخر الذي أطلقه نورثروب فراي على هذا الضرب من ضروب النقد، ويبرز منها أيضاً تلطّي هذه الممارسات وراء مقدار وفير من استعراض الأسماء الكبيرة والمذاهب والمدارس، بحيث تُلقى مسؤولية المواجهة النصّية على تلك الأسماء والمناهج والمذاهب، في مقصد ساذج لتجنّب مسؤولية المواجهة وإطلاق الأحكام.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار