أردوغان.. والتلويح بدستور جديد
في آخر محاولات رئيس النظام التركي رجب أردوغان لإحكام سيطرته على جميع مفاصل الدولة، وتعزيز سلطته الاستبدادية بصلاحيات مطلقة تمهّد له الاستمرار في الحكم بنظام الرجل الواحد لأطول فترة ممكنة, خرج أردوغان على الرأي العام التركي بإعلانه أن حزبه “العدالة والتنمية” وحليفه حزب “الحركة القومية” سيبدأان العمل على صياغة دستور جديد.
إعلان يعد الأحدث في سياق تحركات طويلة يريد أردوغان من خلالها تثبيت بقائه في السلطة, وتفصيل دستور جديد يكون على مقاس أطماعه, بعد أن استنفد كل خيارات الاستبداد المتاحة.
تصريحات أردوغان التي جاءت عقب ترؤسه اجتماعاً لحكومته الاثنين الماضي، بأن “الوقت قد حان لمناقشة دستور جديد لتركيا”, أثارت حفيظة أحزاب المعارضة فيما يتعلق بالتوقيت الذي يريد أردوغان توظيفه لأجنداته الانتخابية بغية تأبيد سلطته وإدخال تغييرات تخدم مصالحه الشخصية، خاصة أنه يأتي مباشرة بعد أن بدأت الأحزاب السياسية الأسبوع الماضي عملية تشاور حول تفاصيل تعزيز النظام البرلماني والتشديد على فصل السلطات, واستقلالية القضاء وحياده, والتي تعد أهم احتياجات تركيا بعد أن أصبح القضاء في خدمة مصالح أردوغان وطوع يده.
اللافت, أن توجه أردوغان لتغيير الدستور يأتي بعد أقل من أربع سنوات على تعديل الدستور الذي جرى عام 2017 وحوّل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي تنفيذي واسع الصلاحيات, منحه سلطات تنفيذية واسعة وأطلق يده في التضييق على المعارضة وكم الأفواه والإيغال في الاعتقالات, والتي كانت محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 ولا تزال شماعتها الجاهزة دائماً.
واللافت أكثر, أن تصريحات أردوغان جاءت متناغمة مع اقتراح حليفه زعيم حزب “الحركة القومية” دولت بهجلي قبل أسابيع إجراء تعديلات دستورية لحظر حزب “الشعوب الديمقراطي” في محاولة محمومة من الحليفين لإقصاء المعارضة عن المشهد السياسي, وخير دليل على ذلك مسارعة بهجلي لإعلان دعم حزبه لمقترح أردوغان مناقشة وضع دستور جديد!.
وجرياً على عادته، حرص أردوغان في محاولته فرش الطريق أمام تغيير الدستور المشتهى, على تكرار أسطوانته المشروخة حول مزاعم “الإعداد لحزم إصلاحات قانونية واقتصادية, وعمل الحكومة ليل نهار على خدمة الشعب وتعزيز أمنه”, اعتقاداً منه أن هذه المسرحية الاستعراضية لا تزال تلاقي آذاناً مصغية لدى الشارع التركي, مع أنه بات معلوماً للجميع أن شريحة واسعة جداً من الأتراك بينهم من كانوا حتى الأمس القريب من أنصاره وحزبه قبل أن ينفضوا من حولهما, قد اكتشفوا زيف ادعاءات أردوغان حول الإصلاحات التي لم يلمسوا منها شيئاً على أرض الواقع, بل على العكس أسفرت عن أزمة اقتصادية حادة, وإيغال في التضييق والاعتقالات التعسفية.
متابعو الشأن التركي يدركون أنه منذ انتخاب أردوغان رئيساً بموجب النظام الجديد عام 2018 بسلطات تنفيذية واسعة, تحولت تركيا إلى دولة استبداد مدفوعة بطموحات سلطوية لأردوغان ، وما حشد الأخير لاستحداث دستور جديد ما هو إلا محاولة جديدة لتقويض نفوذ المعارضة, وتعزيز تفرده بالحكم لتحقيق أحلامه العثمانية.