من دون الإشارة إلى اسمه .. أغنيته تحصد الذّهبية
هي فكرة مرّت على النّاس جميعاً .. بلحظة ما أو مرحلة ما يكتشف الإنسان أنّ من حوله كلّهم أقنعة، وأنا تأخرت حتّى اكتشفت أنّ الحياة أقنعة ومصالح، ومن الصّعب أن نضع ثقتنا بأحد في هذا الزّمن السيء جداً” بهذه الكلمات علّل الفنان حسام تحسين بيك اتجاهه إلى كتابة “سكّان هذا الزّمان ـ أسير الجنون”، مضيفاً: للأسف الإنسان تغيّر والمشكلة أنّ الأشخاص الذين هم في عمري أو قريباً منهم يشعرون بالعذاب أكثر من الشّباب لأنّنا نعرف كيف كنّا وكيف أصبحنا، لذلك كتبت على الغلاف “أنا مازلت هناك”.. أي ماأزال أعيش في ذاك الزّمن.. نحن لايمكننا أن نحاسب الزّمان لكن يمكننا أن نحاسب أنفسنا والظرّوف التي غيّرتنا، والتي أودت بالإنسان والإنسانية.. لا أعمم لكن هناك نسبة كبيرة انعدمت لديهم الوجدانية والأخلاق.. هذا الكتاب يشرح جزءاً من هذا التّغيّر.. لا نريد الاختباء خلف أصبعنا وما يحصل اليوم مبكي على مستوى الكرة الأرضية، وليس على مستوى بلد واحد فقط.
ويروي تحسين بيك في كتابه مجموعة من القصص لبطل هو “سعيد” الذي يرحل عن كلّ شيء، ويلجأ إلى منطقة نائية في السّاحل أو الجبل، مبتعداً عن النّاس، ويحاول مسح ذاكرته، لكنّ الذّاكرة لا يمكن مسحها طالما أنّ الإنسان بصحّته، ويدور صراع بين إرادته وذاكرته عبر تذكره لصور من مسيرته الحياتية المليئة بالمواقف، ويصل إلى مرحلة لا يعرف فيها إن كانت الصّور حقيقة أم خيال، لتكون النتيجة ضياعه أكثر فأكثر، مغلفاً هذه الأحداث بصورة للكرة الأرضية ساعاتها أقنعة وعقاربها إنسان أسير كلّ هذا الجنون، ومنوهاً في بداية كتابه إلى أنّه أحبّ أن يعرف رأي القارئ إن كان مع الفكرة أم لا.
وخلال استضافته في المركز الثقافي العربي بالمزة ضمن نشاط “إصدار” الذي يشرف عليه ملهم صالح، تحدث تحسين بيك عن تجربته الأولى أيضاً في الكتابة للدراما التلفزيونية “الكندوش” وعن أسبابها، يقول: مع كل أسف، الشّباب في سورية والعالم العربي يشاهدون على شاشة التّلفاز أعمال بيئة شامية ويعتقدون، بل ترسّخ في ذهنهم، أنّ ما يشاهدونه هو البيئة الحقيقية التي كانت سائدة آنذاك، وأنا تحدثت بأكثر من لقاء أننا نصدّر أنفسنا للخارج بشكلٍ مشوّه، بإمكاننا أن نقيم أي حكاية لكن نتركها للفانتازية، أمّا أن نقول إنها بيئة شامية، فهذا ليس من حقّنا، لذلك كتبت الكندوش.. ويُضيف: أنا لست الأفضل لكن الأكيد أني الأكثر صدقاً، وأنا كتبت ماعشته وما تربّيت عليه.. أي أقدّم بيئة صادقة تماماً كما هي بسلبياتها وإيجابياتها من دون تجميل أبداً، وشعرت أنّ هناك حاجة ملحّة تدفعني لكتابة هذا العمل، وهو قيد التّصوير، كما أنّي أنجزت عملاً آخر، وبصدد الثّالث، وأنا أعود وأقول لست كاتباً لكن أوقات الفراغ كثيرة وأملؤها بالكتابة وليس من أجل مهنة، ففي (الكندوش) تعرضنا لمشكلة هي أنّ العمل تجاوز الستين حلقة مستوفية الشروط لكننا نعمل على الاختصار قدر الإمكان.
ويبيّن تحسين بيك معنى كلمة الكندوش، فيقول: هو عبارة عن وعاء خشبي طوله مترين أو ثلاثة وأضلاعه من فوق متر بمتر بشكل موشوري، وفي الشّام كانت البيوت تشتري القمح وتأخذه حين الحاجة للمخابز ويخبزون هناك ما يكفيهم لأسبوع تقريباً..
“داخلي كلّه بكاء.. أبحث عن هؤلاء.. أبحث عن هؤلاء” عبارة كتبها تحسين بيك بنهاية الفقرة التي زيّن بها غلاف كتابه، ليتبعها بالقول إنّ الحديث اليوم، حديث مبكي وليس مضحك، إذ تحدّث عن أغنية “أنا سوري آه يانيالي” التي كتبها ولحّنها ونالت جائزة في مهرجان الأغنية في مصر لكنه لم يحصل عليها، ويوضّح: فازت الأغنية على (65) أغنية عربية، وحصلت على الجائزة الذّهبية في القاهرة، وهذا تقصير من الإعلام، فقلّة تعرف أنّها من تأليفي وتلحيني.. أتحدّث عن شيء مبكي فالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون آنذاك أرسلت الأغنية لمهرجان الأغنية في القاهرة من دون ذكر اسم الملحن أو المؤلّف، وهذا تقصير في أدبيات المهنة، لم آخذ الجائزة، وعندما طالبت بالرّمز من دون المبلغ المادي قيل لي إن المدير يريدها ولكن إن شئت التقط صورة إلى جوارها!!.
ويبوح الفنان حسام تحسين بيك ببعض خصوصياته، ويقول: عندما كنت صغيراً كنت أحبّ الصّيد، لكن عندما كبرت وربيت بعض الطيور والحيوانات ندمت كثيراً ولا أستطيع أن أسامح نفسي لأنّها مخلوقات وفية ومخلصة وودودة..
ت: يوسف البدوي