أكاد أجزم، مع كل القلّة والشُّح اللذين حولنا، بأن ما ينقصنا هو الحب!
ترانا نعملُ، نسفحُ أعمارنا ونسابقُ الريح، نلهثُ مثل الملدوعين من بكورة الصباحات إلى أن يأفلَ الليل.
نركض خلف أوهامنا، نتزاحم، نتخاصم، نكيدُ المكائد، نراقب جماليات الآخرين حسداً وتأفّفاً، نتنافس ناسين أن شرف المنافسة الشجاعةُ والشهامة.. ننكسر، نذوي، نبكي، «نهلوس»، نصرخ، نتوجّع،ُ نهذي، نتأسى، نشجو، نكبو، نخبو، ونعد الليالي ليلةً بعد ليلةٍ… وفي كل ذلك وقبله وبعده يبقى في الوجدان حنينٌ غامضٌ لشيء بقدر ما هو واضح وبسيط هو أساسيٌّ مثل المِلح: الحب!
“الحب الذي يحرّكُ الشمس والنجوم والكواكب الأخرى”، الحب الذي لولاه لما اتّحدتْ ذرتا الهيدروجين بذرة الأكسجين ليُكوّنوا معاً الماءَ ومنه كل شيء حيّ.
الحب هذا السهل الممتنع الذي أوجد له العرب تسمياتٍ قاربت الستين مفردة من كثرة وقوعه في القلوب بل من كثرة تقلّب القلوب وهي تلهج باسمه تعظيماً له وتوقاً إليه، فقالوا: هو الجوى والهوى واللوعةُ والخلابةُ والصبوة والصبابة والكمد واللوعة والولهُ والوجد والعشق والهيام والتباريح والغمرات…إلخ.
الحب تلك المعجزة التي تؤنسِن الوحوش كما فعلت بـ”جلجامش” في أسطورته.. الحب الذي رقّق قلب النبي يوسف في سورته .. الحب الذي جنّن قيس بن الملوّح فتاه في البراري ينشد ليلى أرقّ القصائد.
قال أحد الحكماء: “إذا أردت أن يكون الآخرون محبوبين وسعداء كُن عاطفياً، وإذا أردت أن تكون أنت محبوباً وسعيداً…فكُن عاطفياً أيضاً”…
ربما لذلك وقف أحد العاطفيين المجانين قرب أحد المقاهي وقام بتلك الطرفة الجميلة، ارتدى سترةً كَتبَ عليها: “العبّوطة بليرة والدَّين ممنوع”.
فردّت عليه إحدى المُحبّات بنهفة مماثلة وكتبت: “إن كان الدين ممنوعاً؛ أعطيكَ راتبي كلّه سلفاً”…أي والله!.