لو كان ماريو بوزو مؤلف رواية “العراب” لَعمِلَ من جديد مع فرانسيس كوبولا الذي حول الرواية إلى ثلاثة أفلام، على إنتاج فيلم رابع من “العراب” اعتماداً على ما جرى يوم الأربعاء من هجوم جماعة ترامب على مبنى الكونغرس، وتخريب بعض محتوياته، في محاولة لمنعه من تصديق فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، وما نتج عن هذا الهجوم من مسارات لتنحية ترامب باعتبار أن نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، والتي توصف بأنها المتحدثة باسم الأمة. قالت: “في بيتنا الأبيض رئيس مجنون في حالة فلتان، ويجب منعه من القيام بأي أذى جديد للأمة وللعالم”.
ما جرى في يوم الأربعاء وما تبعه من مسار سياسي دستوري كشف حالة أميركا التي تفوقت على الأفلام المتخيلة.
رئيس يحرض مناصريه على مهاجمة السلطة التشريعية؛ وشعب يهجم على المجلس الذي يمثله، وتسلق جدرانه، ودخل ممراته، واحتل قاعاته، وطرد نوابه، وأطلق النار وتعارك مع الشرطة، وتسبب بقتلى وجرحى.. وهكذا فبدلا من أن يحقق ترامب الشعار الذي رفعه “لنرجع أميركا عظمى من جديد” أنجز بسياساته إرجاع أميركا إلى جنونها الهمجي من جديد، كل ذلك يتجاوز ما أراده مؤلف “العراب” من وصف التاريخ الأميركي على أنه تاريخ مافيا؛ كل زعيم فيها يقتل من ينافسه؛ حتى لو كان أخاه، كما فعل مايكل كورليوني في “العراب”.
وبذلك فإن ما جرى يتحدى موهبة مخرج “العراب”، ويحفزه لإنتاج جزء جديد من سلسلة “العراب”. لأن الأمر متعلق بجوهر التاريخ الأميركي وبالفرصة الدرامية المجنونة المتاحة.
طبعاً سيكون ترامب، أو من يمثله بطل هذا الجزء، ولا بد أن الفيلم سيركز ويتمحور جول جنون ترامب، بدءاً من خسارة الانتخابات، منطلقاً من صراع ميلانيا ودونالد، حيث تتجرأ عليه، وتطرده من غرفتها لأن جنونه بات مفضوحاً.
كما لا بد أن يكون لمشهد اعتراف ترامب في الكنيسة (كما فعل كورليوني في الجزء الثالث) موقعاً مهماً في هذه الدراما.
حيث سيخبر ترامب الخوري، كيف سرق دولاً نفطية عديدة، وكيف ابتزها، واعترافه البارز سيكون حول ما فعله بتجويع الشعوب عبر “العقوبات” الوحشية؛ والمصيبة الكبرى التي ارتكبها خروجه من الاتفاق النووي الإيراني، إذ إنه يحس أن ما يجري له من مصائب كلها نتيجة أدعية الشعب الإيراني ضده، وأنه يعتقد أنها اللعنة الإيرانية والسورية وشعوب الأرض كلها تقريباً على سياساته وأفعاله الإجرامية، إنها دراما السيطرة والنهب التي توصل أصحابها إلى الجنون.. المواد الدرامية من مواقف وجنون وهستيريا وفلتان لدى ترامب غزيرة، وتوفر إمكانية إنتاج أكثر من فيلم.. لكن المصيبة أنه تسبب بكوارث في الكثير من البلدان، وأنزل مصائب كبيرة بشعوب عديدة.. جنون ترامب الأميركي ليس مادة لفيلم فقط؛ إنه الجنون الأميركي المتصاعد ضد أمن واستقرار وسلام العالم؛ إنه الجنون الأميركي الذي أصاب ويصيب العالم ووصل إلى الأميركيين بكل ألوانهم وطبقاتهم.. وصل جنون السياسة الأميركية إلى استهداف أميركا وشعبها!.