تلطّف الله بالبشر، فأتى كانونُ على هيئة نيسان!. رغم أننا حُرمنا حتى اللحظة من نعمة التمتّع بنار “الشيمينيه” وتقمير الكستناء على الصوبيا والتحديق بحبات المطر وهي تكرج على البللور المطلّ من ترّاسات بيوتنا على الغابات أو السهول أو مناطق المدينة الفارهة، التي يتمشّى فيها العشاق تحت المظلات ويستمعون إلى أغنيات فيروز والموسيقا الكلاسيكية كي يصبح الحبّ شغوفاً وحداثوياً من النوع “الموديرن”.. لكن ذلك كله طار من بين أيدينا بسبب المرتفع الجوي أطال الله في عمره وأبقى حضوره الجميل في ديارنا، ولتذهب كل طقوسنا الوهمية إلى الجحيم، بعيداً عن المنخفضات وبردها الذي يقص المسمار، فنحن في الحقيقة مدينون لهذا المرتفع بالكثير، خاصة أنه طيّر نصف المربعانية، وإذا ما صدقت التنبؤات الجوية بانتهاء فعاليته آخر الأسبوع، فإننا سوف نقيم مجالس الحزن ونصطفّ كي نتقبل التعازي برحيل هذا المرتفع النبيل لأنه فعلاً “ابن عالم وناس”، فهو ضحّى بكل شيء من أجل إنقاذ الفقراء من برد الشتاء، خاصة أولئك الذين خذلتهم البطاقة الذكية ولم يستلموا مخصصاتهم من المازوت، وكذلك من لم يتمكنوا من الحصول على الغاز، فالمرتفعات تُذكر بأعمالها وسجاياها مع الناس وليس برعبها وقطبيتها وهوائها الثلجي الذي يمخر العظام، حتى لو قال البعض إن الخير في المنخفضات وأمطارها وثلوجها، فالمواطن، لا يهمه إن وصلت الأمطار إلى المعدل أم لا، بل ما يشغل باله ألا يصل هو شخصياً إلى الدرجات تحت خط الفقر، وألا يرتفع معدل الجنون إثر الفارق الرهيب بين المدخول والمصروف، أما كميات الأمطار، فلها حكمة الشفيع العليم الذي يعرف كيف يوزع الهطلات بشكل عادل حسب ما تقتضي الرأفة بمصالح الناس!.
يصرخ البشر عادة عندما تهطل الأمطار: “الله يبعت الخير”.. أما المواطن الغلبان فيستغيث: “الله يستر من الأعظم” والأعظم هنا هو الثلج.. عرفتوا كيف؟.