سلوكيات مريضة

” مو .. طالع” عبارة لطالما سمعناها من قبل العديد من سائقي السرافيس عند وصولهم إلى آخر خط السير الذي يعملون عليه، والحجة التي يتذرعون بها “ما معي مازوت”، مع أن معظمهم قد حصلوا على الكميات المخصصة لهم بشكل اعتيادي، رغم الحصار الظالم الذي يعاني منه الوطن، لكن الرغبة التي أظهرتها السلوكيات المريضة، وأضحت حديث الناس قيام هؤلاء بعد حصولهم على تلك الكميات المخصصة لهم من المازوت، وكذلك بعض سائقي التكاسي أيضاً من مادة البنزين، ببيع مخصصاتهم في السوق السوداء بأسعار عالية، فيحققون أرباحاً مادية من دون بذل أي جهد ممكن، وتالياً يزيدون من أعباء المواطنين في البحث عن وسيلة النقل التي تقلهم إلى أماكن عملهم واستغلاله، مثلهم في ذلك مثل بعض التجار الذين استغلوا الحرب على الوطن، حين قاموا برفع الأسعار في ظل عدم كفاية أجهزة الرقابة للحدّ من جشعهم، وكذلك لمن قام برفع إيجارات البيوت وأسعار المواد الغذائية، فنزعت الرحمة من قلوبهم.
وفي المقابل يجد العديد من العاملين في مؤسسات القطاع العام الراحة بشكل عام، لتأمين وسيلة النقل لهم من أماكن سكناهم إلى أماكن عملهم، بعكس معاناة طلبة الجامعات في التنقل، ومعهم معظم العاملين في القطاعات الأخرى غير القطاع الحكومي في إيجاد وسيلة النقل غير المرهقة مادياً لهم، في ظل تحكم وجشع معظم سائقي التكاسي حين يضطر المواطن لاستخدام تلك الوسيلة أو غيرها.
السؤال الذي يطرح نفسه: في ظل أزمة الأخلاق التي يمارسها الفاسدون من ضعاف النفوس في مثل هذه السلوكيات، ألا توجد طريقة للحدّ من تلك التصرفات و قمعها بشكل جذري، بغية تجاوز تلك القضايا، لأن مشكلتنا الحقيقية باتت واضحة، أزمة أخلاق.
وهنا لابد للمؤسسات المختلفة التربوية والاجتماعية والدينية والمنظمات الشعبية والمجتمع الأهلي والأسرة بالدرجة الأولى، من ممارسة دورها في قيادة المجتمع، من خلال إعادة تلك المفاهيم التي كانت سائدة وحاضرة في قلوبنا وعقولنا، قبل امتداد الليبرالية الحديثة التي نسفت تلك القيم، وكسرت المفاهيم إلى سلوكيات لا يمكن لمجتمعنا تقبّلها وتصورها وتطبيقها، فلنعد إلى الأسس والسلوكيات التي تربينا عليها، وبها نسمو ونرتقي فوق مشكلاتنا ومعاناتنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار