عام مضى بكل منغصاته ومحاسنه وعلى كل المستويات, وعام آخر بدأنا السير بخطواته الأولى والتي تحمل الكثير من الأماني والأحلام, منها المعيشية وأخرى تحمل خططاً واستراتيجيات توصلنا إلى معيشة أفضل, واقتصاد متين يمكننا من تحقيقها.
وبالتالي الحكومة ووزاراتها بدأت بإعداد الخطط ورسم الاستراتيجيات التي تمكنها من ملامسة الواقع المعيشي للمواطن من جهة, وأخرى متعلقة بالبنى الاقتصادية والخدمية التي تسمح بتأمين استقرار الاقتصاد الوطني بكل مكوناته, وفق رؤية واضحة وصريحة مبنية على أساس استثمار الطاقات المتوافرة لدى القطاعين العام والخاص ووضع خطط التنفيذ لإعادة ما دمر من قبل العصابات الإرهابية المسلحة, ورسم خارطة اقتصادية حاملها القطاع الصناعي ومكونها الأساسي الذي تبنى عليه مقومات توفير الحاجات الأساسية للمواطن وتمكينه من معيشة أفضل من حيث الوفرة في المال والسلع وغيرها.
لكن الأمر الذي يثير الجدل في رسم الاستراتيجيات وإعداد الخطط ويشكل خطورة كبيرة على الجوهر وآلية التنفيذ, هو تجاهلها لمفاهيم أساسية تشكل العامل الأكبر لأي نجاح, في مقدمتها (مفهوم الوظيفة الوطنية) الذي انتابه الكثير من التشوه والضعف في العمل ودخول حالات مخيفة من الفساد إلى مختلف مفاصله, بسبب ظروف الأزمة وغيرها من الأسباب الموروثة من السنوات السابقة ومازالت مستمرة بحالات أعنف وأشد!
وهذا يتطلب جهوداً كبيرة في عملية البناء الجديدة قبل التفكير في بناء الحجر والآلة, واتخاذ إجراءات تسمح بإعادة بناء المكون الوظيفي وترسيخ مفاهيم الوظيفة الوطنية الخالصة المبنية على الانتماء والولاء الكامل في حب الوطن, وهذا لن يتحقق إلا بإزالة حالة الترهل التي أوجدتها ظروف الأزمة وسنوات ما قبلها, وإدخال مفاهيم جديدة تخدم العملية الإنتاجية والأخلاقية في كل القطاعات الحكومية, وتبتعد في مكونها عن مفاهيم سادت خلال المرحلة الماضية ومازالت, في مقدمتها: ظاهرة الأنا, وشخصنة الوظيفة العامة, مبررات سرقة المال العام, فساد الإدارات والرقابات المتنوعة, واستغلال المناصب, والأخطر الهروب من المسؤولية والاختباء وراء التعاميم والقرارات التي تحمل أوجهاً كثيرة من التفسير, لكن أخطرها سياسة «تطفيش» الكفاءات والعنصر البشري الخبير في مفاصل العمل ودخول طبقة المرتزقة التي تدعي الفهم الإداري والإنتاجي, وهو أخطر ما تجاهلته الخطط والذي ينبغي العمل عليه لبناء جسم إداري يحمي قوة الاقتصاد الوطني بكل أبعاده ومكوناته؟!