ما الذي يميز رأس السنة عن جذعها أو رسغها أو معثكلتها أو حتى ذيلها؟ وما الذي يجعل من ذاك الرأس لطيفاً نظيفاً هانئاً بدل أن يكون محشوّاً بالتُّرَّهات والبارود ؟
ثم كيف لرأس يتقدَّم 360 رأساً آخر أن يتمتع بهذا الزخم رغم أنه في لغة الأرقام 2020 لا يختلف عن 2021 عن 1430 عن 2144؟
يقول العاشق: إنه فرصة لارتشاف القمر من وجه الحبيبة، وتزيين الليل بنجوم عينيها، ومنح الدفء للعالَم بلمسة يديها، وتشغيل القلب بالطاقة القصوى لإثبات معجزة الخلق.
يقول التّاجر: تلتقي في هذا اليوم جميع الرغبات، ويعدل المشترون عن التفكير بخساراتهم، ويندفعون للبذخ وبالتالي إنعاش الأسواق، فيصبح للربح معنىً مُكثَّف لا يشبهه أي معنى.
يقول الفيلسوف: أشبِّه هذا الرأس برأس الدبوس، الذي يفجِّر بالوناً ظللنا ننفخه طيلة العام الماضي، لَهَونا به، ورفعناه إلى السماء، بعدما ملأناه بالزفير والآهات، بثَّينا فيه أوجاعنا وآلامنا وتَعَبَنا المديد، وعندما لم تعد لديه طاقة على الاحتمال، قمنا بوخزه في رأس السنة، آملين الحصول على بالونٍ جديد، لنفعل به ما فعلنا بسابقه دون ندم.
يقول المحامي: إنه استراحة قضائية، بحيث لا نفكر بالقضايا والدعاوى والاستئنافات، بل نستأنف به الرجوع إلى أنفسنا وعائلاتنا، متيقنين أن معاملات الطلاق وحصر الإرث والتنازع على الملكية وملابسات جرائم القدح والذم والاحتيالات المتكررة بإمكانها أن تنتظر بضعة أيام ريثما تستريح العدالة من أداء مهماتها المستحيلة.
يقول المتفائل: رأس السنة يوم لتلوين الحياة بالفرح والمتعة والسلام، وتدجين الألم في سَهرةٍ مفعمة بالموسيقى والأمنيات وثنائيات المحبة، وهو دعوة للبدء من جديد، بتحلية مذاق الحياة، وتكثيف الأمل بالأجمل في قادم الأيام.
يقول المتشائم: إنه نهاية بطعم الخيبات، وترجيعٌ لصدى الحنين المُزوَّر، وكسلٌ إضافي، واسترخاءٌ غير مُبرَّر، وكرمٌ زائف، ومشاعر “مشلَّخة” لأناسٍ يحتاجون إلى مناسبة لإظهارها، أوجدتها لهم الإمبريالية العالمية فاقتنعوا بما كُتِبَ لغبائهم.
أما أنتم فماذا تقولون؟