شجرة الميلاد

ميلاد مجيد، وأشجار مضاءة بألوان الحياة تحاول إبعاد ما اختزنته النفوس، زوايا البيوت، المحال التجارية، منصفات الشوارع، والأرصفة المتاحة صفحاتها أبداً لمحو الماضي، واستبدال ما رافق العام الفائت من أحزان وإحباطات إلى أمل مبهم التفاصيل، لكنه بداية جديدة لتاريخ قادم بكل تأكيد.. بداية ليست من فعلنا نحن بني البشر، وغير خاضعة لقراراتنا، من حيث هي زمن خارج السيطرة.. ميلاد مجيد، وسنة قادمة تملأ أيامها بذور الخير ليعم السلام على الجميع.. الجميع متفائل – كما درجت العادة – بالبدايات.. الجميع خائف من المجهول الذي سوف تحمله لنا أيام السنة التي تقف على عتبات منازلنا، وسوف تدخل بيوتنا رغماً عنا، ويبقى السؤال الأهم عالقاً في حلوقنا: كيف يمكن ترجمة هذا القلق إلى سلام، وخاصة أننا مدركون أن هذا يخضع لقراراتنا نحن البشر أفراداً وجماعات، نُخب وعوام، عشاقاً ومحاربين، وما يتداخل بينهما من سحنات يؤكد وجودها لون الدم الذي يجمعنا حول مائدة الحياة!
ميلاد مجيد .. نكررها على الملأ في جلسات الأنس، وفي الرسائل المنمقة بعبارات العزاء، ومن ثم نقوم بإعداد جنازتها في الزاوية السرية من أحلامنا التي تطالبنا ـ أبداً – بأن يكون قرار الولادة منسجماً مع طموحاتنا الأنانية لنستمر في الخطيئة .. نخطئ في إصرارنا على الهزيمة أمام الزمن، وفي وأده فوق موائد اللهو، نخطئ في ضرورة التخلي عن هويتنا الحضارية أمام جحافل التجديد، نخطئ باعتبار التاريخ يكرر ذاته، نخطئ بأن نكون محاربين، نخطئ بأن نكون مسالمين، ونخطئ في استعباد الخطأ ليكون داعية سلام بعيد كلّ البعد عن قيم الولادة، والموت، بعيد عن البدايات التي نكرر – ذهنياً – حدوثها توازياً مع الفشل الذي رافقنا إلى النهاية ونخطئ، ونخطئ، ونخطئ، وكأننا في رحلة سلام مستمرة مع الخطأ !!
ميلاد مجيد: هو الصوت القادم من العمق الذي استهجنا وجوده بعد أن استباح الطمع فينا لون الدم، وصار اللون القاني يشغل يافطات السلام المبجلة بالقوة والعنف والاستهتار بالمعنى الحقيقي لقيم وطموحات الولادة!!
ميلاد مجيد، وسنة جديدة يعمها الخير والسلام: هي صرخة المظلوم بوجه كل هذا الدمار الذي يحيط بنا، صرخة بوجه الهزيمة التي مُنيت بها الإنسانية عبر تاريخها المكتوب بأحرف الحرب، هي صرخة تقول بوجوب النهوض من النهايات، من الانتكاسات، من اليأس، صرخة تقول بوجوب الوقوف بوجه الطمع، التعصب، الاستسلام، والتخلف بكل أشكاله المائلة نحو السواد، والبرّاقة أيضاً المخادعة أبداً لخطوات الميلاد.
ميلاد مجيد: هي صرخة نرددها، ليس من أجل استعادة ماضوية المعنى، ولا من أجل أن نصرع الزمن فوق مسرح الخيبات التي لازمت أيامنا السابقة، بل لإيفاء دين السير إلى الأمام، والذي نأمل أن نرتقي معه إلى حيث يكون للولادة مجدٌ أبديّ معلقٌ على بيارق السلام..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار