تصدمنا يومياً روائحُ تجعلنا نوشك على شتيمة الزمن العاطل الذي وصلنا إليه .. رائحةُ زيت قلي من ماركة زيت المحركات المُعاد تكريره والقلي فيه عشرات المرات، وطبعاً الكثيرون للأسف مبتهجون بها (فمعلومكم سِعر ليتر الزيت يُضفي غلالةً من نكهةِ الرفاهية والدلال على زيت المحركات ذاك… غلالةً ها… أيواااا)، روائحُ عند زوايا الأبنية المهجورة والمعمورة وتحت الجسور التي حاول بعض الفنانين الفرسان تجميلها من قناعةٍ بأنّ الجمالَ أبقى من البشاعة لكنّهم نسوا أن الكثيرين باتوا يفعلون كلَّ ما يضرُّ بأنفسهم من مبدأ أن الإنسان عدوُّ نفسِهِ ونكايةً بالنظافة والنظيفين، وهناك روائحُ معامل غير مطابقة لأيّ مواصفات عالمية أو سوريّة تصنِّعُ أعلافاً من أعضاء الحيوانات ومخلّفاتها وتتكاتف مع روائحُ مكبّات النفايات لتجلب لنا آخرتنا أو في أحسن الأحوال تُسبب عندنا رغبة في الهروب إلى “الهفا”، ثم تصادفنا مناظرُ وروائح “ريكارات” الصرف الصحّي التي تبقى مثل فم الغول مفتوحة ليل نهار إمّا من تقصيرٍ عند بعض المعنيين بها أو لأن بعض الناس بدأ يسرق أغطيتها ليبيعها خردة حديد بالكيلو (ناسين أنّ من حفَرَ حفرةً لأخيه وقعَ فيها…هذه الحكمة أو هذا القول الشعبي ضروريٌّ جداً هنا في سياق الكلام فمِن غير المعقول أّلّا نُطعِّمَ الزاوية بمقولات تاريخية مأثورة تلقينيّة… مو حلوة يعني).
يخطرُ في بالي لو أنّ أحداً ما أو مغترباً ما أتى لزيارتنا بعد دهر من الحنين، هل سيرانا بعين السائح كما لو أننا كائنات متحفيّة نسيها الزمن تحت غبار الإهمال فيما يدُه على أنفه .. أم سيرانا ويشمّنا ويتذوّقنا ويُجالسنا بعين ابن البلد فيما قلبُه على ما أصبحنا إليه؟!.