لكلِّ جديدٍ لذّةٌ
والتقطِ اللذّةَ حيثُ أمكنت
فإنما اللذاتُ في الدهر لقطْ
إنَّ الشبابَ زائرٌ مودِّعٌ
لا يُستطاعُ ردُّهُ إذا فرطْ
وإذا كان الأمرُ كذلك فهل من الصواب أن نذهب فيما يطلبه صفيُّ الدين الحلي، أم أنَّ ما يطلبهُ مختلفٌ ومقيّد، ذلك أنّه خصّ معشرَ الصِّبا والشباب؟ أم إنّ ما يجبُ أن يوجَّهوا به على عكس ذلك وعلى النقيض ، ولكن عن أي توجيهٍ مختلف نتحدث والشاهدُ الشعري لم يشهد عصر التقانة المتسارع المذهل؟
يُقال: لكلِّ جديدٍ لذَّةٌ، فإلى أيّ اللذات يشيرُ مقالُهم؟ وهل تكونُ لها قيمةٌ بمعزلٍ عن قانون النسبية؟ والنسبيّة توضّح بالمقارَن التمتُّعَ باللذات، مكاناً وزماناً وفحوى، وهذه كلّها تحدّدُ مدى (الجدوى) والعبثية، وحتى أنَّ عبارة (لكل جديد لذّة) نقسَها مقولةٌ أوجد لها ابنُ الحارث استثناءً واحداً، وقد يكون هناك أكثر من اِستثناء:
لكلِّ جديدٍ لذّةٌ غيرَ أنني وجدْتُ جديدَ الموت غيرَ لذيذِ
وهل يختلف هذا عن قول أبي الطيب أحمد بن الحسين ، وهو الشاعر الأكثر اشتغالاً بشعر المواقف الكبيرة الجديرة بالمجد والأكثر تضميناً للحكمة، في الدعوة إلى التنعّم باللذات قبل فوات أوانها وتنائي قارَبِها:
إنعمْ ولذَّ فللأمور أواخرٌ أبداً كما كانت لهنَّ أوائلُ
لِلهوِ آونةٌ تمرُّ كأنَّها قُبَلٌ يزوِّدُها حبيبٌ راحلُ
وأمّا أبو العلاء فيقارب الأمور بعين الحكمة ، فيرى أنَّ المسألة فيها تفاوتٌ بين قلّةٍ تكاد تكون فوق بني البشر سموّاً، وبين كثرةٍ ممن لا يستطيع واحدُهم التروّي والترفّع أو لا يريد ذلك:
إنْ يرسلِ النفسَ في اللذّاتِ صاحبُها فما يخلّدن صعلوكاً ولا ملِكا
ومن يطهِّرْ بخوفِ الله مُهجتَهُ فذاك إنسانُ قومٍ يشبهُ المَلَكا
وما هي إذاً يا تُرى اللذّةُ التي يرى فيها بشار بنُ برد ، فوزاً ، فيميتُ المراقبَ همّاً ، ويجعل الجسورَ وحده متمتّعاً ، أيكون الفوزُ لدى شاعرٍ ذي ( بصيرة ) كابن بُرد خارج حدود ما يسعد القلب ويرضي الحجى ،والشاعر مجرّبٌ خبير بأحوال الناس وقيم المكان والزمان وذو شجاعةٍ في حين تكون في موضعها الشجاعة:
من راقبَ الناسَ مات همّاً وفازَ بالّلذةِ الجَسورُ