انحراف أوروبي
بعد صمت طويل ومماطلة أطول للتملص من تعهداتها تجاه إيران، نطقت أوروبا محاولة تمهيد الأرضية لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي لكن “بصيغة جديدة معدلة” كان الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب استمات سابقاً مع حزم قاسية من “العقوبات” المصحوبة بالتهديدات “لانتزاعها” دون أن يتمكن من ذلك، لتحاول أوروبا، على ضعفها وتشتتها وتبعيتها، أن تفرض شروطاً وتمارس ضغوطات!
انحراف أوروبا عما قالته خلال السنتين السابقتين -أي منذ تاريخ تمزيق ترامب للاتفاق وانسحاب واشنطن منه والانقلاب على عشرات الجولات المكوكية على خط طهران لإبقاء الاتفاق صامداً- مرده أمر واحد هو محاولة نسج انسجام مع واشنطن التي تستعد لاستقبال رئيس جديد في البيت الأبيض, لتحقيق غايتين هما بذات الأهمية للطرفين الأوروبي والأميركي أولهما وقف التحول في موازين القوى بالمنطقة ليكون لحسابهما، ثانياً تقديم المزيد من الدعم لكيان العدو الإسرائيلي عبر الحد من القدرات الدفاعية الصاروخية الإيرانية التي هي اليوم بصلب المطالب الجديدة لتغيير هيكلية الاتفاق النووي.
وبعد طول انتظار قدم الأوربيون شكلاً جديداً لاتفاق من المؤكد أنه لن يبصر النور بوضعه الحالي لأن ما يطالبون به مرفوض إيرانياً ولا يمكن عزله عن شروط الاتفاق برمته، ومن المؤكد أن طهران لن تتنازل أمام التهديد الأوروبي الجديد وقالت شروطها شديدة الوضوح والمختصرة بهذه العبارة: “طهران ستعود إلى التزاماتها تجاه الاتفاق النووي إذا ما عادت أوروبا والولايات المتحدة إلى الوفاء بتعهداتهما كاملة”.
تحاول أوروبا الحديث عن وحدة -لاتزال غائبة- بين ضفتي الأطلسي وإستراتيجية موحدة مستقبلية “لمجابهة” إيران بالشق النووي ويظهر ذلك من خلال البيانات واللقاءات الأوروبية المتعددة مؤخراً في محاولة لاستعراض القوة، لكن هذه التفاهمات والأحلاف ليست الوحيدة عالمياً بل يقابلها أحلاف مماثلة لا تقل قوة عنها بل تتفوق عليها في بعض النقاط والمحاور ولها ثقلها الكبير القادر على وضع اتفاقيات لحماية أمنها وصيانة سيادتها.