بعد دراسة واجتهاد وتجريب وتعب سنوات، رَسَمَ فنَّانٌ لوحةً اعتبرها الأكمل والأجمل والأبهى في مسيرته، وأراد أن يتحدى بها الجميع، فوضعها في مكان عام على مرأى من المارة، وكتب فوقها العبارة التالية: (من رأى منكم خللاً، ولو بسيطاً، سواءً في التكوين، أو في قوة الخطوط، أو هارموني الألوان، أو انسجام العناصر، فليضع إشارةً حمراء على اللوحة).
عاد في المساء ليرى لوحته مليئة بالإشارات الحمراء، التي تُدلِّل على خلل هنا، وآخر هناك، لدرجة أنه لم يعرف تماماً أين أخطأ، بحيث إن اللوحة (طُلِسَتْ طلساً) باللون الأحمر، ولم يعد يظهر من اشتغاله شيء.
حَزِنَ كثيراً، وذهب إلى مُعلِّمه، وفي ذهنه أنه سيترك الرَّسم نهائياً، ولن يخطّ ولو خطّاً واحداً على قماشٍ أبيض، ولن يسمح لنفسه ثانيةً أن يغطّ ريشته في أي لون. لكن خبرة المعلم وحكمته استطاعتا أن تمتصا غضب التلميذ المجتهد، وبعد أن هدأت نفسه، طلب منه معلِّمه أن يرسم لوحةً أخرى، مثل لوحته الأخيرة في كَمَالِها وجمالها، فرضخ الفنان لرغبة معلِّمه، وزاد تأثره بتلك الشَّهادة من بهاء عمله. وما أن انتهى حتى ذهب المعلم إلى المكان ذاته الذي علَّق فيه الفنان لوحته في المرة الأولى، ووضع بجانبها ألواناً وريشةً وكتب العبارة التالية: «من رأى خللاً في هذه اللوحة فليمسك الريشة ويُصلحه»، فلم يقترب أحد من اللوحة حتى المساء، بل ظلَّت أياماً من دون أن يجرؤ أحد على لمس الفرشاة، أو أن يخطّ خطاً فوق ما جادت به قريحة الفنان.
بعد ذلك قال المعلم لتلميذه: (ما أكثر من يرى الخلل والأخطاء في كل شيء، وما أبرعهم في الانتقاد، وتوجيه اللوم، لكن من دون أن يمتلكوا المعرفة أو القدرة على تقديم الحلول، أو اقتراح سُبُل لتجاوز الخلل. المُصلِحون نادرون يا صديقي، وعليك ألا تُصغي إلا إلى انتقاد العارفين المُصلحين، وأن تثق بمعرفتك)