بات مصطلح “حداثة” من الكثرة والتشظي في تداولاته النقدية كما الدمية التي تطالبنا أن ننطق بالصمت لتداري عجزها أمام من يعمل على انبعاث التأويل في ملامحها، في عصر بات ما بعد الدمى فيه يشكل حالة من التلاقي مع التلف القهري في الوظائف التقليدية التي كانت تقوم بها تلك الدمى!.
ليست حالنا مع “الحداثة – التحديث” استثناء في خطابنا الشعري، لكنها ملامح متمكنة مع تماشينا المستقر في دروب الغياب، غياب تنزه عن استقراء الذات بغرض الاعتراف بالعجز، غياب تجاوز في هبوط تقليدية المعنى الذي يطالبنا به النص ليسمو نحو الشاعرية، وليكون صاحب خطوة في عالم الجديد!
لو أمعنّا المتابعة في ديواننا الشعري بعالمه الأزرق، لوجدنا المستنسخ النقدي، لا يقل تشوهاً عن قولبة النصوص القطيعية التي تفتقد أجراسها إلى صوت ينبه لأي قادم، هذا إذا محونا من مطالبنا الظرفية الزمانية -المكانية التي تجعل من الشعر نبوءة تتجاوز الممكن في رؤيتها للمستقبل ؟
في عالم الشعر تأخذ اللغة دور المحرض لتجاوز ذاتها، تماماً كما في حالة الممثل في أفلام الخيال العملي عند امتلاكه المقدرة الإبداعية في تجاوز النص المكتوب مسبقاً.. في عالم الشعر تتجاوز اللغة الإيمان الطوباوي بالمقدسات التي تشكل من الممكن السردي حكاية تراجيدية تتلخص معانيها غصات جافة تغبط الأداء ببعضٍ من دموع ساذجة، فهي أوسع جرحاً من متتاليات العويل، وأكثر دقة من الانطباعية في تشكيل لوحاتها الطبيعية، وأعم من السيريالية في توليد نصوص لا حصر لها من الألوان المنسجمة في تناقضاتها مع تشتت الرؤية وتلاقيها غير المستوحى سوى من ثقافة المتلقي.. في عالم الشعر يغدو الحرف في هوس مع المفردة، هو لا يقبل صرختها المتعارف عليها بين أفراد القبيلة، وهي لا تقبل أن تكون عبدة لجنونه المأخوذ من قدرته على الالتحاق بغيرها ليكون داعية تجديد، كلاهما في صراع مستميت مع الواقع، وكلاهما في هذا الصراع، كما الماء في الأواني المستطرقة، فهو القادر على إعطاء المعنى الأمثل للسطح، ليس في تشكلاته البصرية الأفقية لهذا السطح وحسب، بل في القراءة العمودية لأي بناء لغوي يستحدث من الأحدث جدليات أخرى لنص قادم، ليغدو مصطلح الحداثة ليس قابلاً لإعادة تفكيكه من جديد مع انبلاج بوادر أي بناء لقصيدة وحسب، بل ملازماً مالكاً لأي عملية إبداعية قدمت نفسها كراقصة محترفة فوق مسرح الأوراق الرمادية، أو كمغنٍّ في طور استئناس حنجرته البكر داخل صالونات العالم الأزرق.