البارحة رُزِقت جارتنا بطفل سمَّته «يوسف»، ومنذ ورود ذاك النبأ بدأت الأفكار تجول في خاطري، فبدل الإخوة الأحد عشر في القصة المعروفة بات هناك آلاف وكلهم لا يُريدون الخير لأخيهم، وبدل البئر الذي رموا فيه النبي ثمة مئات، ومثلها من الضغائن والدسائس، وبدل الذئب المُفترض هناك الآلاف، ومع ذلك مبروك لشجاعة جارنا وشدَّة بأسه، فرغم أنه أعلنها لي مراراً أثناء عودته إلى منزله عند الحادية عشرة ليلاً وقد هدَّه التَّعب، بأنها «نهاية رجل شجاع»، إلا أنه يواصل عشقه للحياة ويهديها «يوسفه» الجديد، رغم ضيق الحال، فـ«الولد يأتي وتأتي رزقته معه»،
كما أن بهجة جارنا لا تسعها الدنيا كلها، رغم اعترافه الدائم بأنه لم يعد في هذه الحياة شيء مُسلٍّ، بما في ذلك المسلسلات، فمعظمها إما «عقائدية» أو «مُضلَّعة» تربيعاً أو تثليثاً، أو فنتازية «صفيقة»، أو «هرج ومرج» من النوع الرخيص مع أن لم يعد ثمة شيء رخيص.
يدير جارنا محرك سيارته التي يعمل عليها، وعلى صوت «شخرة» مُحَرِّكها ينسج مقامات أيامه، بدءاً من السادسة صباحاً، من دون أن يتوقف يوماً في ظل جميع الازمات التي عايشناها، وكأن التزامه بالعمل تعويذة تقيه من التفكير بالكورونا وآخر صيحات الأبحاث العلمية حوله، وتُحصِّنه من شياطين التفاصيل الحياتية عامةً، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية، وذلك لقناعة راسخة لديه بأن «فيروس الجوع» أشدّ فتكاً من الفيروس التاجي، ومثله فيروس العوز والفقر وقصر ذات اليد، ولذا فإن أهم ما يفكر به حالياً هو الحِفاظ على «حُسْنِ يوسُفِهِ»، وابتسامة أم يوسف وإخوته الثلاثة، لذا رغم الإنهاك فإنه «ينتع» أغراض المونة على ظهره حتى الملحق الذي يسكن فيه، يضع كيساً كبيراً بجانب سرير زوجته التي تحضن يوسف، ويبدأ بتفريط البازلاء وابتسامته لا تُفارق وجهه المتعب.