مابين الأبيض والأسود وملون الشاشات التلفزيونية هناك خيط زمن رفيع في الذاكرة يجمع شتات قصص كثيرة مودعة بين ثنايا الخاطر، بعضها واضح التفاصيل وبعضها الآخر يشوبه القطع والنسيان تماماً كما أشرطة الكاسيت القديمة.. إنها الذاكرة العتيقة الكامنة إلى حين استحضارها بمنبه لحظي ما…
قصص العجائز، وختيار حينا، أراها فصلاً أساسياً من ذكريات الزمن الجميل أستنهضها اليوم بخلجات ديكتاتورية تجبرها على الحضور، وهي القابعة في بئر غفلتنا وسوء استثمارنا للتاريخ…
ومن حكاياه بعد الـ “كان ياماكان في قديم الزمان” أنه وفي قرية نائية فقيرة تقتات على محصول الأرض واحتماليات مطر برزق وفير أو موسم ضعيف، كان هناك صبي “أزعر” يسرق دجاج الجيران وخيرات الحواكير ويتزعم عصبة من الشباب يرهبون الأولاد وتخشاهم الصبايا الصغيرات.. و”الأزعر” كان في مدرسته صاحب “روزة” ومع كل تعتيره وبساطة هندامه فقد كان يتصدر الباحة الخلفية، ويقرر من سيلعب الغميضة، ولمصلحة من ستكون نتيجة “الدحاحل” و”النقيفة”، حتى حالات العشق والهيام يجب أن تكون مباركة منه حسب مزاجه ورضاه، لكن المضحك أكثر أن الأولاد كانوا يستنجدون به في حالات الخصام وولدنة قضاياهم التي لم تتعدَّ خلافات على ركوب حمار، أو أحقية قيلولة وقت رعي الأغنام، فقد كان ذلك “الأزعر” برغم شغبه قادراً على فضِّ كل اشتباك، والأدهى استمالة قلوب العذارى بأحكامه وغلاظة حباله الصوتية وكأنه بعمر الرجال.. هذه الاستمالة كانت المصدر الأساس لإشعال نار الغيرة بين أقرانه الشباب، وسبب تراكم مشاعر الحسد حدَّ التحول لحقد عليه وكره له، ومحاولة الانتقام منه بانتهاز فرصة تحكيمه مابين متخاصمين بنتيجة مسيسة لمصلحة صاحب الكرم وزريبة الأبقار ضد الدرويش الذي لايملك سوى قطعة أرض صغيرة بشتلات بندورة وفاصولياء، حيث النخوة والكرامة لم توقد في صدور الشباب إلا حينما أشعلتها النساء.
لذلك كانت النصيحة بأن “النساء هن دائماً وراء كل مصيبة وسبب الشر والخلاف” في سالف الأيام بجمل!!