التهريب.. ثم التهريب
فكرت أم حسان مليّاً بطريقة تؤمّن بها وجبة إفطار شهية لأسرتها تكسر روتين الحياة اليومية الممل،فمنذ بداية شهر رمضان الكريم وهي تتحايل أحياناً بتحضير وجبات خفيفة خالية من مذاق اللحمة ، فإذا ما اشترت نصف كيلو لحمة مع الاحتياجات اللازمة لوجبة واحدة يعني -بحسبة بسيطة – يجب عليها دفع نصف الراتب، الأمر الذي يصعب تنفيذه وإما عليها التحايل أحياناً على أبنائها باستخدام مادة العدس كبديل اللحمة وبطعم وهمي وأيضاً سعادة وهمية .
حال أم حسان كحال أغلبية الأسر من ذوي الدخل المحدود، الذين ينطبق عليهم تعريف أحد علماء الاجتماع للفقير بأنه (من لم يأكل وجبة اللحمة مرة أسبوعياً)، فكيف بحال السواد الأعظم من الناس الذين يعجزون عن تأمين الحد الأدنى من كفاف يومهم ؟!
بالطبع ..ليست الحرب وحدها السبب في ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، بل تضاف إليها عملية تهريب الأغنام عبر الحدود المفتوحة سواء من جهة العراق أو من جهة الأردن لتجد طريقها إلى الخليج العربي..أعداد هائلة هرّبت -وحسب الأرقام- تزيد على مئتي ألف رأس غنم عواس تهرّب سنوياً إلى الخارج, وهذا أقل ما يقال عنه بالمؤشر الخطير لتصب المنفعة والأرباح في جيوب التاجر، الذي هو المهرّب ذاته الذي يهرّب يومياً عشرات السيارات المملوءة بمئات الرؤوس من الأغنام ، في حين يهرّب المربي أعداداً محدودة من قطيعه، والنتيجة أن من يدفع الثمن هو المواطن من خلال حرمانه من ثروته الحيوانية ومنتجاتها من الحليب ومشتقاته , ليبقى التاجر “المهرِّب” هو المتحكم بلقمة العباد وهو وحده الرابح في مختلف الظروف .
تبقى المسؤولية برسم الجهات المعنية ولاسيما منها الجمارك التي تقع عليها مهمة ضبط الحدود ، والأهم وضع وتنفيذ عقوبات كبيرة, من شأنها ردع (حيتان التهريب ), وتفعيل مبدأ المحاسبة التي من شأنها الحد من تهريب هذه الثروة التي وصفها الباحثون بأنها النفط الذي لا ينضب.