بعد صدور قرار عودة العمل بشكل جزئي فكّرت وتحمّست وقررت وحزمت أحزمتي ونزلت من ضاحية صحنايا باتجاه قلب المدينة لعلّي أضرب عدة عصافير بنزلة واحدة؛ فأغيّر قليلاً جوّ العزلة والقراءة الذي عشته بمتعة ساحرة، وأعاود العمل على مهل وببطء مثل سيارة في حالة روداج، وألتقي ببعض الأصدقاء المحبين الذين غافلوا زوجاتهم الساحرات والزمنَ وشدّوا رحالهم لنلتقي ولو في شوارع العاصمة.
وقد صادفت في رحلتي بعد هذا الحجر ما يستحق أن يروى: فبعد المشوار الهانئ في باص نقل داخلي “مشكلس” وملمّع و”مزوزء” وسائقه يتمختر ويتهادى على ألحان سكيتش المصالحة لفيروز ووديع ونصري وبعد المعاملة السوبّر لطيفة من جميع الركاب لبعضهم البعض كما لو أنهم في عرس وصلنا بكل سلاسة وسرعة إلى وسط العاصمة. وهناك فوجئت بمحلٍّ جديد اسمه “دكان السعادة عادة” وإلى جواره محل “حلويات الضحك الخرافي” ثم هناك على الزاوية، أيوا تماماً، عند “سانا” فرش أحدهم بسطة “الضحكة بميّة ومع كل تلات نكات جديدة تحصل على واحدة مجاناً”… فيما شابٌ أنيق يفتتح بسطة جرابات الانشراح رجالي نسواني. وعلى حائط الدرج المؤدي إلى تحت الجسر زُخرفت عبارات مثل: التشاؤم ممنوع اعبس بعيداً من هنا…ولا تدلق طاقتك السلبية هنا يا ابن المتشائم.. وصديقٌ متفائل خيرٌ من عشرة متجهّمين.
وفي إحدى الدوائر الخدمية حيث وصلت لأنهي معاملة ضرورية عالقة مما قبل الحجر وزّعوا على من حضر من المراجعين قائمة الأوراق المطلوبة: شهادة حُسن أداء وإلقاء نُكت، ورقة آخر مرة عبستَ فيها بوجه أحدهم، طابعين غوّار وثلاثة ياسين بقوش واثنين حسني البورزان، ونسخة من شهادة خفّة دم مصدّقة من زوجتك أو زوجِك.
وفي طريق العودة مررت إلى جوار عيادة كل مين شفايفو إلو لتجميل الوجوه العابسة والحواجب المعقودة والشفاه الكالحة مع عرض خاص لشفط الزناخة وتوسيع رحابة الصدر ومطمطة الروح الرياضية.
ومع كل متر أمشيه تزداد دهشتي وذهولي وفرحتي وتعجّبي من تحولات العاصمة وتغيرها إلى مدينة الهضامة التي لم يسبق ل”آليس في بلاد العجائب” أن عايشتها…ولأخلص من هذا المأزق التخييلي الفانتازي الذي وضعت نفسي ووضعتكم فيه لا بدّ من الجملة السحرية التي أهدتني إياها بصّارة مستقبلنا الفردوسي المزركش بقوس قزح الكوميديا:
“والله وإجيت فايق”.. لأنه ما من شيء أقرب إلى المسلسلات الدرامية أكثر من هذه الخُرّافة التي حكيتها لكم.. “تعيشوا وتضحكوا…. أودعناكم