تفوقت دراما الواقع على دراما الشاشات، فالبطل هنا ليس فرداً مسوّقاً بالغلاظة والمواضيع الخفيفة، بل مجموعات كاملة من البشر ممن كانوا يصنفون يوماً بالكومبارس ثم أتى الوقت ليلعبوا دور البطولة في مكابدة القضايا الثقيلة.. دراما من لحم ودم تجري يومياً في الشوارع من دون أن تتمكن التلفزيونات من التقاطها، لأنها -كما تعتقد شركات الإنتاج- تزيد الهمّ في القلب، وترفع نسبة الكآبة وتتطلب أموالاً ضخمة وإمكانات لا يمكن للتمثيل أن يصورها، إلا إذا كان صاحب قضية لا تفكر بمنطق الخسارة والربح.. والنتيجة كانت أن شهدنا نوعين من الدراما، الأولى للشاشات فقط، والثانية هي الواقع بلا مكساج ولا مونتاج أو إخراج!.
دراما الشاشات، تعاطفت مع البطل المجرم أو (الحماية) المستبدة والعاشق الفاشل، فيما كانت دراما الواقع تغرد في مكان مختلف تماماً، يتصل بالحياة الحقيقية من دون رتوش أو ماكياجات.. ومن أجل أن يزيد الطين بلّة كما يقولون، ظهرت برامج المنوعات السطحية، كي تزيد في الطنبور نغماً، فتبنت التهريج والسخافة معتقدة أنها تروّح عن نفوس البشر وتجبرهم على الابتسام في عز المعاناة، فكانت كمن يرشّ على “المخلوطة” بهارات يمكن تناولها بالشوكة والسكين!.
في كل موسم رمضاني، تستيقظ هموم الدراما، وتنبري أقلام النقاد لتفسير التمثيليات المقدمة وأبعادها الاستراتيجية بمعزل عما يجري على أرض الواقع.. دراما مكتوبة لأناس خرافيين لا نعرف عنهم شيئاً، يجلسون في سياراتهم الفارهة وفللهم الباذخة, منهمكين بقضايا لا تخصنا بشيء، مع أن المسلسل الحقيقي يجري في مكان آخر على الأرض، والحبكة على أشدها بين أناس يصارعون من أجل لقمة العيش والسكن والتغلب على المرض، لكن من دون استديوهات ولا كاميرات أو موسيقا تصويرية تزيد من حدة الانفعال في المشهد!.
دراما الشاشات منفصلة اليوم عن الواقع.. وحتى تحدث المعجزة ويعود صناعها إلى رشدهم، سيشاهد الناس مسلسلات تشبه “كساندرا”، بانتظار الحلقة الأخيرة يوماً ما!.