“ثوب عيرة”!

لم تقدر الحرب -بويلاتها المهولة- على تخليص حلب من (جلدها) الصناعي رغم النهش المقصود لمعاملها وتهجير صناعييها وحرفييها ومنعهم من مواصلة الانتاج في خطةٍ محكمةٍ لقطع شريان الاقتصاد المحلي لكون العاصمة الاقتصادية تعد رئته ومنفسته الأساسية، حيث أصر أهل الكار المنكوبون على العمل في أقبية تحت الدرج أو في غرفة ضمن بيوتهم للمحافظة على إرثهم الصناعي المعروف والاستمرار في التوريد للأسواق الداخلية والخارجية حمايةً للمنتج (صنع في سورية) متحدين كل الصعاب والعراقيل.
قدرة الحلبيين على صنع الحياة من رحم الموت ,برزت خلال مراحل عديدة من عمر الأزمة الملعونة ليكون آخرها تصنيع غرفة صناعة حلب منفسة صناعية بخبرات محلية خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 15 يوماً في محاولة للوقوف مع البلاد في مواجهة وباء( كورونا) والتخفيف من داء المستوردات التي ترهق الخزينة وتقصم ظهر اقتصادنا، الذي يراد تحويله من منتجٍ إلى مستهلكٍ, مع أنه يمتلك كل الموارد اللازمة للخلاص من شبحٍ يهدد صناعتنا ومواطننا بعد تحكم كبار المستوردين في لقمة العيش وموارد الإنتاج، وهنا نتساءل عن أسباب تسليم رقابنا إلى حيتان الاستيراد ,مع أن سورية تعد ولادة بالكفاءات والخبرات القادرة على تصنيع المنتجات المستوردة بدل هدر مليارات الليرات وإفادة بلدان أخرى بينما نحتاج إلى كل قرش للنهوض وإعادة الإعمار، ومن المستفيد من تغليب مصلحة المستوردين على المنتجين الحقيقيين الذين يعدون الرصيد الفعلي للتعافي وإيقاف الاقتصاد المحلي على رجليه؟.
إنتاج المنفسة الصناعية بسرعة قياسية قابله بطء غير مفهوم في تلقف المبادرة الهامة، التي يبدو أنها وقعت في مطب الروتين , مع أن الظرف يتطلب المرونة والسرعة في اتخاذ القرارات والاستفادة مما ينتجه العقل السوري المبدع والتخلي عن عقلية الاستيراد المتحكمة حالياً في أذهان بعض صناع القرار، فلماذا لا نبادر إلى العودة التدريجية إلى التصنيع الذاتي والاستغناء عن المستوردات المماثلة وخاصة أن المنافع بالجملة، وهل سيكون وباء كورونا(المنفسة)لإعادة توجيه البوصلة نحو العودة الميمونة لخبراتنا وخيراتنا المحلية، فـ(ثوب العيرة ما بيدفي) كما يقال؟.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار