(نكش) البشر حياة (كورونا) السرية، لعنوا(سلسفيله) بالفضائح والموبقات.. اتهموه بالعمالة والخبث وتدمير الحياة الاجتماعية.. ومن فرط الانعزال والملل، مدحوه لأنه أعادهم إلى رشدهم وجعلهم يتأملون ذواتهم للمرة الأولى أثناء الحجر.. تلك الجرثومة الصغيرة كانت تمضي إلى هدفها بثقة من دون أن ترد أو تحتج على سيل الاتهامات، كأنها تعلم أن (دود الخلّ منه وفيه)!.
.. من فرط الوقت، عدلنا شخصيات الروايات العالمية، جعلنا الكومبارس يحتلون مكان الأبطال، والهامشيين يتقدمون في الصدارة.. استبدلنا البكائيات بالسخرية، وسقينا الخيانة كي تفشل علاقات الحب.. كنا بحاجة إلى تغيير بهذا الحجم في الواقع المتخيل، عسى أن تغار منه الحياة فتخلع ثوبها وتتجدد!.
.. استنفد البشر جميع العناوين خلال الحجر الصحي, (نكشوا الخمير والفطير)، أحيوا العداوات القديمة، وبدلوا التحالفات وأعادوا صياغة المسودات المؤجلة.. عكسوا رقعة الشطرنج ليلعب الأسود مع الأبيض للمرة الأولى جنباً إلى جنب.. كتبوا قائمة بالديون وأسماء الموتى ومكسوري الخاطر، كما فتحوا سجلاً خاصاً بالندم وآخر بالحنين.. كأن البشر كانوا بحاجة للوقت كي ينتهبوا إلى الحياة التي تتسرب من بين أصابعهم.. من دون أن يشعروا!.
.. عاد الكتاب إلى أفكارهم المؤجلة.. أنزلوا المراجع عن الرفوف ومسحوا الغبار عن الأوراق، ثم انهمكوا يستغلون الفراغ القاتل الذي فرضه الحجر الصحي.. وكانت المفارقة أن الصحة تعافت والمخيخ ظهر وكأنه ولد من جديد.. كأن هذا الوباء أخرجهم من وباء أشد فتكاً واستهلاكاً للأيام والعقول!.
.. ارتفاع استهلاك الوحدات على أجهزة الموبايل عند معظم البشر، كان يشير إلى تبديد فادح للوقت… تلك العزلة التي يمكن استغلالها لالتقاط الأنفاس، تحولت عند البعض إلى نقمة يتبادلونها على (الواتس) و(الفيس).. بانتظار لقاح يعيد الحياة إلى جنونها السابق!.
.. ستجتاز الحياة هذه المرحلة بالتأكيد، والناجون سيحولونها إلى حكايات يروونها للأحفاد كي يتعظوا.. تلك البشرية تصر على الوقوع في الجوع مرات ومرات!.