في ظل هذا الحجْر (الكوروني) قرأت أن «شكسبير» كتب مسرحيات «الملك لير» و«ماكبث» و«أنطونيو وكليوباترا» خلال عزلته الصحية نتيجة الطاعون الذي أصاب إنكلترا في القرن السابع عشر، ويُقال: إنه أبدع تراجيديا (هاملت) تأثراً بوفاة ابنه الوحيد (هامنت) الذي قضى في الحادية عشرة من عمره بفعل ذاك الوباء.
وفي السياق ذاته، في عام 1665م عندما تفشّى الطاعون في لندن فإن «اسحق نيوتن» قرر الابتعاد عن جامعة كامبريدج التي كان يُدَرِّس فيها، وانعزل في بلدة تبعد مسيرة ساعة عن المدينة، بقي هنالك 18 شهراً، انكبّ خلالها على إجراء البحوث والدراسات، فاخترع الجاذبية، وقانون التفاضل والتكامل.
أما الأديب الروسي «أنطون تشيخوف» فأيضاً كتب «العنبر رقم6» و«الراهب الأسود» خلال الحجر الصحي في زمن الكوليرا التي أصابت روسيا نهاية القرن التاسع عشر. ومن القصص التي يرويها تاريخ الفن أن «إدوارد مونش» صاحب لوحة «الصرخة» الشهيرة، عانى من الأنفلونزا الخطيرة التي انتشرت عام 1918م، وخلال تلك الفترة رسم لوحة تحمل عنوان «بورتريه شخصي مع الإنفلونزا الإسبانية»، وغير ذلك الكثير.
وبعدما أصبحت مُلِمَّاً بكل هذه «الاكتشافات الحَجْريّة»، تركت الماضي جانباً وبدأت أبحث في الحاضر، لأستنتج من دون كبير عناء، أن معظمنا يقضي أوقاته «أكل ومرعى وقلّة صنعة»، لدرجة أن كثيرين منّا باتت كروشهم أشبه بكرش «أبو وصفي» في مسلسل «عيلة خمس نجوم»، لاسيما بعدما تحولت المطابخ إلى حقول تجارب لوصفات الحلويات وقوالب الكاتو بغية قتل الملل، لكن للأسف أن أغلب تلك القوالب خرج من الفرن أشبه بدولاب سيارة لا ينقصه سوى «الجنط»، مثله مثل تلك الوجوه البلاستيكية التي صاغها برنامج الـ«FaceApp»، وبقدر ما جلبت الدهشة، فإنها اصطحبت معها إحباطاً عارماً عند المقارنة بين المثالي والواقعي، وهو الإحباط ذاته الذي يصيبنا عند مقارنة «العنبر رقم6» بـ«بنات أكريكوز»، و«هاملت» بـ«جميل وهناء».