فكر صاحبي ملياً قبل أن يقرر شراء حاجياته من المنتج مباشرة وذلك عملاً بنصيحة الحكومة وإطلاقها شعار: «الساحات من المنتج إلى المستهلك مباشرة» ومن دون وسيط.. سأل كثيراً عن عناوينها لأنه عندما أعلن عنها في نشرات الأخبار كانت الكهرباء مقطوعة لأسباب فنية خارج وقت التقنين، وبعد أن اهتدى إلى إحداها حمل (السك) وانطلق باكراً.. لم يجد أحداً ولا ما يؤشر إلى أن هذا المكان سوق تباع فيه الخضر والفاكهة وبعض المنتجات الصناعية التي تحتاجها الأسرة كمنتجات الألبان والأجبان و«الشنكليش» والمحارم.
عاد صاحبنا أدراجه إلى سوق الخضر في المدينة تبضع وعاد «مكموماً» بالأسعار والنوعية .. عاود الكرة في اليوم الثاني والثالث فبدا كمن يحاول اصطياد (العجلة – أي السرعة في اتخاذ القرارات) من دون دراسة ومن دون تجهيز البنى التحتية.. ساحات لا توجد فيها مظلات تقي المنتج والمستهلك من المطر والحر.. لا يوجد كهرباء ولا ماء.. حتى بسطة فلافل لا توجد.. وغيرها من الأمور الضرورية التي كانت كلها مفقودة.. حتى إن الجهات المعنية لم تقم بتوجيه دوريات المرور بالسماح للشاحنات التي تحمل الخضر والمنتجات الأخرى بالوصول إلى هذه الساحات من دون مخالفتها.
صاحبي ما زال يعتقد أن تفعيل هذا (الإعلان) ضروري ومهم للمستهلك لكنه لا يعرف حجم المعاناة التي يتكبدها المنتج للوصول إلى هذه الساحات، وذلك لجهله بكيفية تفكير المنتج البسيط.. المنتج هنا هو الفلاح الذي يملك بيتاً أو بيتين زراعيين يقطف ثمارهما في الأسبوع مرة واحدة ويتفرغ بقية الأيام للعناية والتسميد والري من دون أي دعم حكومي لأدوات الإنتاج لذلك فهو غير قادر حتى ليقطف عدداً قليلاً من الصناديق ويجادل سيارات النقل لإيصال هذه الكميات القليلة ويجلس أمامها يوماً كاملاً في ساحة تخلو من أي خدمات, ويعاود الأمر نفسه أيام الأسبوع ما يعني عدم متابعة محصوله.. عندما علم صاحبنا بذلك قال: والله إن فلاحنا ناضج كثماره ويعي مصلحته جيداً.. يعمل ويعمل من دون رعاية واهتمام من أحد ورغم ذلك لم ييئس!؟.