نشرت منذ فترة مقالةً تتضمن آراء بعض الكتاب المقيمين والمغتربين عن دلالات ومعاني كلمة «الوطن» بالنسبة لهم خاصةً في هذه الأوقات العصيبة المرّة وبعد تسع سنين من حربٍ ضروسٍ على بلدنا نهايتها لم تأتِ بعد… فعاتبني أحد الأصدقاء في التعليقات على «الفيسبوك» بأن «كلمة وطن وخاصة في العالم العربي هي كذبة كبيرة ومفهوم مُضلِّل و-ستريتش/مطّاطيّ- يضيقُ ويتّسع حسب إرادة السلطان وحسب الشعارات والأغاني الحماسية الدارجة»، وفي رأيه فإنّ كلمة «البلد» مصطلحٌ حميميٌّ وواقعيٌّ أكثر!.
أجبته يومها: يا صديقي أعلم أنّك هاجرت بسبب «كيمياء» بعض المسؤولين الفاسدين وفيزيائِهم الساكنة الخمولة التي تحتاج صواعقَ وزلازلَ حتى تتحرك ذرّات الحسّ عندهم بأنهم معنيّون فعلاً بـ«كفِّ فكوكِهم وفكِّ كفوفهم» لأنّ من واجبهم الاستجابة السريعة الصادقة قبل أنْ تلسعهم نارُ إهمالهم وتجاهلهم لقهر الناس وعذاباتهم.
وأجيبه اليوم: إنّ الكلمات يا صديقي بالمجمل مُضلِّلة وغائمة ولكل كلمةٍ كيمياؤها الفريدة ومذاقها ونكهتها وذاكرتُها الخاصة. وهي رجراجةٌ وزئبقية وحمّالةُ أوجهٍ في الوقت نفسه، لأنَّ اللغة في حدّ ذاتها وعاءُ الكينونة بمعناها الفلسفيّ الوجوديّ ونحنُ مَنْ نُعطيها قيمةً ومعنىً واصطلاحاً. حتى كلمة الحبّ يمكن أن تكون شعاراتيّة وزئبقية في فم البعض ويمكنها مثل كلمة الوطنِ/البلد أن تكونَ كلَّ المعاني وكل الوجدان وروحَ الأغاني وموسيقا القلوب، لذلك بإمكانك أن تستبدلَ ما شئتَ من الكلمات التي يطرب لها سمعُك وتنتشي بها روحُك، ألا يقول ابن عبد ربه الأندلسي: «الجِسمُ في بَلَدٍ والرُّوحُ في بَلَدِ/ يَا وحشَة الرُّوحِ بلْ يا غُرْبَةَ الجَسَدِ»، وفيروز ألا تغنّي أيضاً: «وطني يا جبل الغيم الأزرق، يا بيوت اللي حبّونا يا تراب اللي سبقونا، يا زغيّر ووسْع الدني يا وطني.. أيام اللي جاية جاية فيها الشمس مخباية، إنتْ القوي إنتْ الغني… وأنت الدِني يا وطني».