من منا لا يتذكر رائحة خبز التنور، ومن منا أيضاً لا يشتهي رغيفاً مقمراً منه في وجبة ما، ومن منا لا يحمل في ذاكرته أحاديث كانت تدور بجانب التنور.
حينها لم تكن هناك مخابز نصف آلية، أو آلية بالكامل.. في تلك الأيام كانت تحمل أكياس القمح على الدواب إلى طواحين الماء، ثم الطواحين الكهربائية التي تصلها الطاقة من مولدات الديزل كنا صغاراً لا كهرباء ولا تلفزيونات, وحده «الترانزستور» هو الذي ينقل لنا أخبار الحروب والكوارث, لا حديث عن الدعم ولم نكن نسمع بأصله وفصله، لم تكن هناك زراعات محمية, كانت جداتنا وأمهاتنا يصنعن (الكسيد ) من مختلف أنواع الخضر مؤونة للشتاء, تحولت المساحات التي كانت تزرع بالقمح إلى الخضر والفاكهة, وفستق العبيد, والزراعات المحمية, هنا بدأنا نبحث عن الخبز كنا نخزن عشرات الأكياس للطحين والبذار والبرغل ولم نخشَ عليها يوماً من العفونة ولا من غشها بالتراب, كنا نخشى عليها فقط من الفئران، التي بدأت تلتهم الدعم المخصص للرغيف قبل أن يصل إلى أفواه مستحقيه.. بدؤوا بخلط القمح بالتراب وتسليمه إلى مراكز استلام الأقماح.. قاموا باستيراد الشوادر المغشوشة أثناء طفرة الإنتاج المليونية في تسعينيات القرن الماضي عندما اضطرت الحكومة لتخزين القمح في العراء.
وعندما اشتدت الحاجة للقمح منذ حوالي عامين بدلوا عقود التوريد بأخرى تزيد عليها بمئات الملايين في كل صفقة استيراد، وحسبت على المستهلكين من فاتورة الدعم .. تحدثت إحدى الصحف المحلية عن فقدان 5000 طن من القمح، وحسبت من فاتورتنا أيضاً، وما زال الجناة الذين سرقوا الدعم (الفئران) يتنقلون بين مخزن وآخر للانقضاض على (الدعم)!.
مناسبة هذا الكلام: يكفي تجريباً بنا, يكفي قرارات متعجلة قد لا تخدمنا, بل تزيد من نزيف المبالغ المخصصة لدعمنا إلى جيوب (الفئران) التي نخاف تسللها إلى أرزاقنا منذ طواحين الماء!.