أيقظني ابن خلدون (أي ابن خلدون ما غيرو) بعد منتصف هذه الليلة العاصفة فيما كنت أحلم حلماً لذيذاً مثل القطايف، كان مغتاظاً وشعره «منكوش» وفي يديه أوراق «مدعوكة» وأخرى «مشقوقة» متناثرة وقال لي: «يا أخي حيّرتموني أنتم السوريين… لم تتناسب مع طبائعكم وعيشتكم أيٌّ من نظريات علم الاجتماع الذي أسّسته ليكون خلاصاً لهذي الشعوب».
رمقته بعينين ناعستين وكدتُ أشتمه على إيقاظي قبل أن أتذوقَ حلاوة القطْر وماء الورد لكنني تداركتُ وقلت له بهدوء: «يا صديقي سأوجز لك ما نعيشه بما يلي»:
هناك جماعة «فخّار يكسّر بعضو» وشعارهم ما غنّاه فيلمون وهبي «إنْ خربت عمرتْ، شالتْ حطّتْ…حايد عن ضهري.. بسيطة» وهؤلاء يتموضَعون في الطبقات الدنيا مع أصدقائهم جماعة «مطبّل بالدنيا مزمّر بالآخرة».
تليهم شلّةُ «سنفور غضبان» هؤلاء الممتعِضون من كل شيء تماماً، ممتعضون من شروق الشمس ومجيء الليل، من زوجاتهم وحبيباتهم، من الحكومة والشعب، من الشعر والرواية والمسرح والسينما، وحتى من الدببة القطبية… وكلّما أفاقوا ناسين أنْ يمتعضوا؛ امتعضوا زيادةً وعكّروا على كلِّ مَنْ حولهم.
ولديك فئة «قيمةُ كلِّ امرءٍ ما يُحْسِنُه» وشعارهم «اعمل لدنياك كأنّك تعيشُ أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً»، وهؤلاء جاء عليهم زمانٌ ورّطهم فيه بعضٌ من جماعة «التنمية الإدارية» المهتمين بأناقتهم الزائدة وربطات عنقهم؛ فلم يضعوهم في المكان اللائق والمناسب لقيمتهم.
بقي عندنا فئة «سبحان الذي خلقك ما أجملك»: هؤلاء هم الأمهات القدّيسات، الجنود الجبابرة، الآباء الصبورون، العمال المخلصون الساهرون على أحلام ليلنا، الأخواتُ اللواتي يُخبّئن من أعمارهنّ ليهدوننا قطع السكاكر و«القباقيب»…هؤلاء هم الحبيبات اللواتي يقاتلن بضراوة اللبؤات، والأحبّة الذين قالوا: «كلُّ أفعالِ القلوب هي أصلٌ لكلِّ أفعال البدنِ»… وما كانوا بكاذبين. فرمقني طويلاً ثم قال بحنانِ المعلّم: عُدْ إلى نومِكَ يا صاحبي وغداً صباحاً «عازمك» على صحن نابلسية.