ثقافة الفساد

حتى محاربة الفساد تخضع لأنظمة الروتين والبيروقراطية وحكم المكاتب, وهذا ما يعول عليه الفاسدون والحجة الدائمة أنه (لا توجد أدلة أو وثائق أو براهين تثبت أننا مختلسون وفاسدون وأصبحنا في فترة قصيرة من أصحاب المليارات) وهناك من يختلس ألف ليرة ولكن تدينه الوثائق والأدلة وتتم محاسبته؟!
وميزة المجتمع السوري هي الذكاء وقربه من بعضه بعضاً بشكل لصيق ويومي ومعظمنا يعرف أن فلاناً من الناس كان مزارعاً بسيطاً وفقيراً ويشكو بشكل مستمر ضيق الأحوال… وخلال فترة قصيرة أصبح مليونيراً؟! أو مثلاً عامل بيتون أو موظف بسيط أو رجل تبوأ موقع المسؤولية وخلال وقت قياسي أصبح يملك المليارات والشركات والمزارع والسيارات ومعيشته تسع نجوم ووووو إلخ، والمجتمع المحيط به يدرك أن هؤلاء اختلسوا أو سرقوا أو تلاعبوا ولا توجد غير هذه النظريات لتبرير الثراء الفجائي، ولكنهم يعيشون بطمأنينة وسلام… لأنه لا توجد أدلة أو وثائق تدينهم؟!…. وهكذا، وهذه الظاهرة متعارف عليها منذ زمن قديم… وكنا نتعايش معها ونطالب بإيجاد طرق سلسة لمحاربتها ولكن كل المحاولات كانت عبثاً ودون جدوى… ولكن ما زاد الأمر سوءاً خلال السنوات العشر الماضية هو تضخم نسبة الفقر والفقراء بشكل هائل حتى طالت غالبية الطبقة الوسطى وحذفها من شرائح المجتمع السوري بالرغم من أن هذه الطبقة كانت تميز الشعب السوري عن غيره من الشعوب المجاورة حيث كانت تتمتع في معظمها بنسبة التعليم العالية والثقافة وكانت صمام الأمان للحفاظ على جيل مستقبلي سليم، ومن جهة ثانية ازدياد نسبة الفساد والفاسدين مع تفاقم ظاهرة الفقر والعوز الشديد عند شريحة واسعة من مجتمعنا وتالياً هذه الظواهر أصبحت تؤثر في ماهية السوريين بشكل كبير جداً لدرجة أن مكافحتها بحاجة إلى أنظمة وقوانين جديدة تعيد الأمور على الأقل إلى وسطيتها حتى تتعافى سورية وتعود إلى أحوالها الطبيعية, وهذه القوانين والأنظمة الجديدة يجب أن تبدأ بمحاربة الفاسدين الكبار وليس كما كان يحصل في أيام الرخاء حيث تقتصر حملات مكافحة الفساد على الاقتصاص من صغار صغار الفاسدين من الموظفين ومن شابههم ويترك الحيتان الكبار يعيثون فساداً كما يحلو لهم… ودمتم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار