كثيرون هم رجال الاقتصاد في سورية، سواء التجاريين أو الصناعيين والزراعيين والسياحيين والمغتربين أو الذين يملكون الكثير من الأموال، ولكن القليل من هؤلاء الذين يغارون على الوطن ويفدونه بعيداً عن المصالح والجيوب -للأسف الشديد- ولطالما كنا نتباهى ونتفاخر بأن سورية هي الأغنى بين الدول العربية، ومن منّا لا يعرف البرنامج الشهير «من سيربح المليون» الذي كان يقدمّه أيضاً الإعلامي الشهير جورج قرداحي، عندما طرح أربعة أسئلة للمتسابق عن أغنى الدول العربية وكان بينها سورية، وتفاجأنا بأن سورية هي الأغنى بين الجميع… لماذا؟! لأن سورية تملك من المهارات والخبرات والكفاءات والاختصاصات ما لم تملكه دولة عربية أخرى، ولديها ميّزات حضارية وتاريخية وسياحية وجغرافية وزراعية ومهنية وطبيعية ومناخية نادراً ما تملكها دولة عربية أخرى، ولكن هيهات بأن الجميع قلوبهم على الوطن.
وعما أرمي إليه سأروي هذه العبرة الصغيرة: كان بعض البدو الرحّل يسكنون بيوت الشعر، وفي أحد الأيام كان الجو ممطراً وشديد البرودة وتنتابه عواصف قوية، قام أحد المواطنين من الأخيار بنحر جمل ليوزعه على المحيطين به نظراً لهذا الجو، فأرسل أحد أعوانه يدعو الناس للعشاء، لكن المرسال لم يقم بدعوة الرجال للعشاء، بل أخذ يصرخ وينادي بأن بيت أبي فلان وقع فوق عائلته وحلاله ونريد المساعدة لرفعه، وفعلاً توجّه البعض للمنزل ولكنهم قلائل، وعندما وصلوا البيت وجدوه مرفوعاً والنار تشتعل وقدور اللحم على النار وكل شيء على مايرام، ولكن الذين حضروا عددهم قليل جداً وأكثرهم ليسوا من الوجوه المقربة لصاحب الدعوة، نادى صاحب البيت للداعي يسأله عن غياب معظم الناس، فقال له: أنا لم أقم بدعوتهم للعشاء بل قلت إن بيتك وقع على عائلتك وحلالك وطلبت مساعدتهم فلم يستجب للدعوة إلا الذين تراهم، وأظنهم هم الذين يستحقون التكريم والعشاء وعائلاتهم!….. الناس لا تعرفهم إلا عند حاجتك لهم، فقد يتخلى عنك أقرب المقرّبين، ويقف جانبك من لا تتوقع منه ذلك.. الغربلة هي التي تحفظ القليل الصالح ويسقط خلالها التالف.. عبرة لمن اعتبر….. وفهمكم كفاية.