لم يستطع مصرف سورية المركزي اتباع سياسة تساعد في الحفاظ على سعر صرف متوازن ومقبول، بل فَضَّل الصمت إزاء المتغيرات في السوق الموازية، حتى وصل سعر الصرف إلى مؤشرات غير مسبوقة لم نعهدها في ذروة الحرب على سورية.
وبرغم امتلاك المصرف المركزي العديد من أدوات السياسة النقدية التي تسمح له بالحفاظ على سعر صرف متوازن، إلا أنه فضل المراقبة وكأنه عاجز عن فعل أي شيء، حتى وإن كان سعر الصرف الرسمي أقل من الموازي بحوالي 200 ليرة، إلا أنه لا يُعد مؤشراً أو مقياساً على نجاح سياسات المركزي في ضبط السوق، بل على العكس تماماً، إن صمت المصرف المركزي جعل نسبة كبيرة من التجار يعتمدون الدولار كعملة للدفع الكاش في تداولاتهم التجارية المحلية.
صحيح أن المصرف المركزي شجع الإيداع في المصارف، ولاسيما العامة منها عندما حدد سعراً مرجعياً لمعدلات الفائدة بـ 7% وترك هامش حرية للمصارف في تحريك تلك المعدلات نحو الأعلى، إلا أن هذه السياسة لم تحقق الغاية المرجوة، لأنه لم ينجح في تحجيم التضخم، إذ ما الفائدة من فارق شاسع بين سعر فائدة منخفض ومعدل تضخم مرتفع يؤدي حتماً إلى خسارة في المدخرات فيما لو أودعها أصحابها في البنوك..؟
وعملياً إن ضعف سياسات المصرف المركزي، دفع شريحة واسعة من المدخرين بالليرة إلى تحويل مدخراتهم واستثمارها في الدولار، رغم أن مجالات الاستثمار في المدخرات متنوعة وآمنة، ولكن الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار واطمئنان المدخرين العاديين بأن هناك ضعفاً في مواجهة ذلك الارتفاع جعلهم يبتعدون عن استثمار مدخراتهم في الذهب، باعتبار أن هذا النوع من الاستثمار يُعرٍّض صاحبه إلى مخاطر إذا لم يكن على دراية بأساسيات التعامل بهذا المعدن النفيس، وتالياً يرى البعض أن الاستثمار في الدولار يحقق مرابح خيالية.
ومع تركز كتلة كبيرة من القطع الأجنبي لدى شريحة من المواطنين والتجار، إلا أن هذه الكتلة لو أُودعت في المصارف لحققت عوائد اقتصادية هامة، ولكن انخفاض معدلات الفائدة المطبقة على ودائع القطع الأجنبي جعلت المدخرين له يحجمون عن الإيداع، ومع انتشار سماسرة الدولار، أصبح هناك مجال واسع للمتاجرة به باعتبار بورصة أسعار الصرف أصبحت بمتناول الجميع وفي أي وقت، إذ يكفي الاشتراك بإحدى صفحات الأسعار، ويأتيك من يقول إن تلك الأسعار وهمية..!