الإرهاب الاقتصادي وضرورة فكِّ الحصار

لا يحتاج سلوكٌ من قبيل (التدخل السلبي في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والداخلية لدولة مستقلة واستخدام العقوبات والحصار الاقتصادي) إلى حقوقيين كي يوصفوه بالسلوك الجرمي وغير الشرعي، ولكي يُدرج في الدراسات تحت باب «الإرهاب الاقتصادي».
فالعقوبات الاقتصادية التي لا تقل إيلاماً عما يفرزه الإرهاب وتأثيراته السلبية على المواطن وعلى المعيشة ليست إلا «فناً» من «فنون» الحرب، لكن باحتيال على «النهج السياسي» من دون الحاجة للقوة العسكرية.
الحصار الاقتصادي الظالم الذي فرضته أمريكا والاتحاد الأوروبي و«جامعتنا العربية» كان سلوكاً إجرامياً بامتياز بحق المواطن السوري، وقد كان له الأثر السلبي الواضح في الحالة المعيشية اليومية وفي قدرة الدولة على تأمين مستلزمات وحاجات مرتبطة بشكل مباشر بالمواطن، لكن هذا الحصار ليس جديداً على الشعب السوري، فثمانينيات القرن الماضي مازالت عقوباتها حاضرة في الأذهان، كذلك لاتزال حاضرة في الأذهان العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا بسبب الموقف السوري الرافض لسياستها وغزوها العراق عام 2003, فإن كانت أميركا تظن أن هذه العقوبات «تعبّر عن القوة»، إلا أنها حتى, وإن شاركها الاتحاد الأوروبي بها, ليست إلا خطوة جبن وتعبير عن (عقدة نقص) تسيطر عليهم وهم دول استعمار حديث, وإن كانت هذه العقوبات «عظيمة» في نظر من يرسم سياسة تلك الدول، لكنها صغيرة في عيون السوريين, فرغم مثابرة الدول (الأعداء) على ارتكاب جرم فرض العقوبات الاقتصادية لسبع سنوات حرب على سورية، استطاع الشعب السوري كسر «القوالب الجاهزة» للتحليلات الاستعمارية، وصمد في وجه الحصار، واستغنى عن المنتج المعلّب بـ«شهادة منشأ» من الدول التي تشارك في الحرب على سورية.
هنا تجدر الإشارة إلى أن مسألة الحصار الاقتصادي يمكن تشبيهها بالكرة التي يستخدمها لاعبو رياضة (الاسكواتش) واصطدمت بالجدار لترتد إلى وجه من قذفها، وكذلك فإن أحد مخرجات الحصار الاقتصادي على سورية، كان ارتفاع موجة نزوح سوريين إلى قلب أوروبا وتركيا المأزومتين بعدد ليس بالقليل من الإرهابيين بصفة (لاجئ)، وليتحولوا إلى ذئاب «داشرة» آثرت العمل الإرهابي المنفرد بما يخدم «سياسة القطيع».
لكن الصورة المشرقة أكثر أن الدولة السورية استطاعت تأمين الحدِّ اللازم لمعيشة المواطن السوري، وتأمين مستلزمات الصمود الاقتصادي والاجتماعي والعسكري لسبع سنوات حرب هي رقم ليس بالسهل إلا على دولة بحجم سورية جيشاً وشعباً، بينما يشكل لمعظم الدول, التي تعدّ اليوم «عظمى», رقماً صعباً يمكن أن يهلكها حتى نصفه، وما إنجازات الجيش العربي السوري في الميدان إلا نصر استثنائي في زمن الحرب والإجرام والإرهاب الاقتصادي، لتبدأ اليوم مرحلة الرجوع إلى الوراء والالتفات والتغيرات في المواقف الدولية، ولتعلو الأصوات المناشدة بالتنسيق الأمني مع سورية، لكن المنتصر يحق له فرض شروطه، والشرط السوري المنطقي أن التنسيق الأمني لن يحدث من دون تنسيق سياسي عبر قنوات دبلوماسية متكافئة مع الدولة السورية.
كل التغيّرات والتبدّلات في المواقف الدولية مبنية على انتصارات الجيش العربي السوري فقط، وكل ما عدا ذلك (كلام سياسة).
خطوات التغيير يجب أن تبدأ برفع العقوبات الاقتصادية، واعتراف تلك الدول بخطئها وذنبها قبل فتح سفاراتها، وليكون تحقيق الرقم صفر في علم «الرياضيات السياسي» الخطوة الأولى في مسيرة حسن النيات.
m.albairak@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار