مفاخر العبيد ‏

تشرين – ادريس هاني ‏:

لا تتحدد هوية الأحرار بالطوبوغرافيا السياسية، بل الهوية الحرة هي حقيقة متعالية غير قابلة ‏للاختزال، الحر حر  حتى خلف القضبان، والعبد عبد حتى وهو يرقص رقصة المطر.‏
سمة العبيد أنهم لن يتحرروا من سجن التقمص والإسقاط، وعند تشخيص هذا الوضع فرويدياً ‏وادليرياً معاً، سندرك أن المدرك الأبستيمولوجي لما ينتجه العبيد، مدين حتى الثمالة لقياس ‏إبليس، ولن يجدوا عنه حِولاً، والعبيد ترى العالم مثلها زاحفاً كالحرذون، متلصصاً كالجرذان، ‏دنيئاً كالخنزير، وهذا نصيبها من الإسقاط، وهي أيضاً في تمثيل مستدام للسادة فيما لا تقوى ‏عليه مهاراتها ولا تنهض به ملكاتها، فذاك نصيبها من التقمص، حين يستفحل الوضع وتتحول ‏سيكولوجيا العبيد إلى بسيكوز حادة، وبارانويا مزمنة، يصبح الأمر غاية في التعقيد، فتآمر ‏العبيد هو أخس من تآمر العدو، بل هم العدو، فاحذرهم. ‏
في مسار الثورات، يكمن مؤشر السلامة والمخاطر في كمية ونوعية الطفيليات التي تنهك ‏جسد الكفاح الوطني بألف ليلة وليلة من مكر السمسرة والقوادة السياسوية، اختزال نضال ‏الشعوب في مقاربات مخرومة ابستيمولوجيا، ركيكة مسرحياً، بليدة سياسياً، مرة ومرات ‏وجب استيعاب حقيقة أن استغفال مثقف شقي هو من أسوأ البلادات في تاريخ التطفل على ‏الثقافة والكفاح، والعبث مع الفرسان ملهاة غبية وخيمة العواقب. فعدو السماسرة هو المثقف، ‏لأنه يقف على ما توارى من حقائق النصوص واللصوص، ولأنه يمسك التفاهة من ذيلها ‏الجربوعي، ويتتبع آثار أم الأربعة والأربعين حتى آخر جحورها المظلمة.‏
حينما يقع أفق الرؤية تحت جزمات إمبريالية هيمنتهم الكبرى أو إمبريالية حساباتنا واحقادنا ‏الصغيرة، فلن نستطيع امتلاك أسباب الخلاص، فسيكون الأمر ويعود كما بدأ، أي سترتكس ‏مساراتنا وتعود إلى المربع الذي ارتسم في معادلة العود الأبدي لمخرجات صراع السادة ‏والعبيد. إنني مازلت أشعر بأن نزعات العبيد تؤخر تقدمنا وتحول مكتسباتنا إلى رسم أحمق ‏تحت أقدام من يدوسون على رؤوس المعذبين في الأرض، والمشكلة القصوى حين ينتج ‏السماسرة خطاب الخلاص الماكر، والمصيبة الأعظم حينما يتم التطبيع مع السمسرة والغباء، ‏وهو من علل التطوح بين الأنام والارتكاس في مزابل التاريخ. ‏
وهكذا الرهان على من لو كانوا معكم لما زادوكم إلا خَبالاً، ولله في خلقه شؤون..‏

كاتب من المغرب العربي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار