ترامب 2025.. من الشرق الأوسط رجوعاً إلى الصين.. أي مفاجآت وأي استدارات؟

تشرين- رحيم هادي الشمخي:
لا يكاد العالم يطيق انتظاراً، ولأنه كذلك يشعر المرء كأنه استبق الزمن ثلاثة أشهر تقريباً، وقام بتنصيب دونالد ترامب من الآن، قبل أن يفعل الأميركيون أنفسهم ذلك في 20 كانون الثاني المقبل، كما هو معتاد.
وأيضاً، لأن العالم كذلك فإن ترامب يتصرف على هذا الأساس من دون انتظار انتهاء المرحلة الانتقالية، وهذا أمر متوقع للجميع، لذلك نرى العالم مشغولاً بملاحقة كل شاردة وواردة، وكل كبيرة وصغيرة متعلقة به، ويتعامل مع الرئيس جو بايدن كأنه غير موجود.
الجميع بدأ مبكراً جداً- حتى قبل يوم الانتخابات في الـ5 من هذا الشهر، بأشهر عديدة- بدأ يستعد لرئاسة ترامب، وتعامل معها منذ ذلك الوقت كأنها أمر واقع لا محالة، وهذا عملياً لم تكن له سابقة.. وتلك الملاحقة كانت ماهيتها وهدفها وفق الأطراف حول العالم حسب أولوياتها، مخاوفها، أجنداتها، أو ثقتها، وعدم ثقتها بأن ترامب سيكون أفضل أو لا يكون.
وبناءً عليه فإن جزئية استضافة بايدن لترامب في البيت الأبيض يوم الأربعاء المقبل، لا تبدو جزئية مهمة في سياق سياسات ترامب المقبلة، التي يجهد الإعلام، خصوصاً الأميركي، في سبيل تبَيُن بعض ملامحها، خصوصاً لناحية ما ستضمه من شخصيات ومسؤولين، سابقين وحاليين ولاحقين، وأيضاً لناحية أول قرار ستتخذه داخلياً وخارجياً، ولناحية أي المناطق العالمية ستكون أولوية.
عملياً، تتقاسم منطقتنا مع أوكرانيا قائمة الأولويات، رغم أن البعض يرى في أوكرانيا أولوية متقدمة لأن ترامب هدفه النهائي هو الصين، لذلك سيركز على تسوية المسألة الأوكرانية، وكما تريد روسيا، قبل فوات الأوان، وخسارة أوكرانيا مزيداً من الأراضي لمصلحة روسيا (على الأقل هذا ما يظهر من توجهاته) بدليل «اتصال هاتفي» أجراه ترامب مع بوتين الخميس الماضي «على ذمة واشنطن بوست»، أي بعد يومين فقط من فوزه في الانتخابات، وربما يكون الأول له كتحرك خارجي، ما بعد انتهاء مرحلة المهنئين بشقيهم الداعمين والمجبرين.
وعلى ذمة «واشنطن بوست» أيضاً وفق ما تنقل عن مطلعين، فإن ترامب أشار لبوتين بشكل خاص إلى أنه سيدعم «اتفاقاً تحتفظ فيه روسيا بعدد من الأراضي» الأوكرانية. وسبق لمستشار ترامب، الخبير الاستراتيجي في الحزب الجمهوري، بريان لانزا، أن قال: إن أميركا في ظل إدارة ترامب الجديدة لن تدعم كييف لاستعادة شبه جزيرة القرم، لأن هذا سيكون موقفاً غير واقعي، فأوكرانيا خسرت الجزيرة منذ عام 2014 بعد استفتاء شعبي جاء لمصلحة العودة إلى روسيا الأم، وستكون أولوية ترامب هي إنها الحرب الأوكرانية.
هذا ليس بالأمر المطمئن للأوروبيين، بل هو كارثي على المديين القصير والطويل، وعليهم تالياً – مجبرين طبعاً – أن يستديروا استدارة كاملة باتجاه روسيا ومحاولة تسوية المسار معها.. ونحن نشهد عملياً بوادر لذلك، أكثرها وضوحاً يأتي من ألمانيا ومستشارها أولاف شولتس الذي قد يكون أول المستديرين.
وكان شولتس قال أمس الأحد في مقابلة مع قناة ARD الألمانية: إن الوقت المناسب لإجراء اتصال هاتفي مع بوتين سيأتي قريباً، ولكن بعد اتصالات ومشاورات «أنا أديرها بنشاط منذ فترة طويلة».. ويقصد هنا مع نظرائه الأوروبيين، والتوقعات بأنها ستتركز على تحقيق موقف أوروبي موحد باتجاه أن الوقت حان للعودة إلى روسيا والتفاوض معها، وقد يكون ذلك قبل قمة العشرين المقررة في البرازيل هذا الشهر، وفق صحيفة «تسايت» الألمانية، بينما نقلت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية أن شولتس أبدى استعداده للتفاوض على ما سماه «سلاماً عادلاً» مع بوتين، وذلك خلال خطاب ألقاه أواخر تشرين الأول الماضي أمام (البوندستاغ).
لكن السؤال: هل بوتين مستعد للتفاوض مع شولتس أو الأوروبيين، علماً أن شولتس يتمايز عنهم بكثير من المناحي المتعلقة بأوكرانيا خصوصاً مسألة السماح لها باستخدام صواريخ بعيدة المدى، زودها بها الأوروبيون وأميركا، ضد الأراضي الروسية.
طبعاً لا يخفى أن هدف ترامب من وراء كل ذلك هو الصين وبما يدفع روسيا للابتعاد عنها، حيث إن ترامب يرى أن الصين أولوية قصوى غير قابلة للتأخير أو التردد، وأن إدارة بايدن أخطأت في السياسات والسلوك ولا بد من التصحيح، وهذا ما سيفعله ترامب الذي يرى أن الصين أولوية حتى على الشرق الأوسط، باعتبار أن هذا الشرق الأوسط ما زال ملعباً أميركياَ، بشكل أو آخر، وما زالت أميركا قادرة على الفوز فيه واستعادته.. أما الصين فهي مصيبة المصائب بالنسبة لأميركا، فيما يخشى ترامب من أن الوقت فات، والفرص ضاعت بخصوص استعادة توازن القوة مع الصين، حتى إن ترامب لا يتحدث عن هزيمة الصين، فهذا أمر بات مستحيلاً، وإنما يكتفي بالحديث عن استعادة توازن القوة معها، خصوصاً اقتصادياً (ويُعتقد عسكرياً أن الصين تجاوزت أميركا كما تجاوزتها اقتصادياً) ومحاصرتها في مناطق وجودها، وإبعاد قوى عالمية عنها، مثل روسيا والهند.

أما الشرق الأوسط فهو يتراجع إلى المرتبة الثانية.. أميركا ما زالت تملك أوراقاً رابحة حتى على مستوى دولها التي تناور ما بين غرب وشرق، شمال وجنوب.. وهناك اتفاق شبه عام على أن ميدان المنطقة يتجه نحو نهاياته، ولم يبقَ لترامب إلا أن يوقّع على مرحلته الأخيرة ما بعد التنصيب، وذلك ليفتح أبواباً قديمة تم إغلاقها مع بدء رئاسة بايدن، وأولها مسار التطبيع.. وربما علينا مراقبة التطورات ما بعد القمة العربية /الإسلامية اليوم في العاصمة السعودية الرياض، بخصوص الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 13 شهراً على غزة ثم لبنان.. صحيح أن بيان القمة الختامي المُعلن قد لا يخرج عن الخطاب المعتاد، إلا أنه خارج البيان قد يكون هناك العديد من الاتفاقات (داخل الغرف المغلقة) ستأخذ طريقها للعلن وستتم ترجمتها عملياً، سواء فيما يخص ميدان المنطقة، أو ما يخص ولاية ترامب المقبلة.. وها هو المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين يعود إلى المنطقة مجدداً بعد القمة لتوسيع عملية التفاوض، وليتم وضع كل الملفات على الطاولة فلسطينياً ولبنانياً وعربياً.
أما لماذا قد تكون زيارة هوكشتاين هذه مهمة ومختلفة فلأنها ستكون نوعاً من التمهيد والتهديد على مبدأ استخدام رئاسة ترامب شماعة وفزّاعة، ليستطيع انتزاع تنازلات للكيان الإسرائيلي، بذريعة أن التنازل الآن بمعايير مخفضة وقليلة المخاطر أفضل من التنازل مع ترامب بتكلفة كبيرة ومستويات مخاطر عالية.. وعندما يقول ترامب إنه سينهي الحرب فمن يضمن أنه لا يقصد بذلك أنه سينهي الحرب بالحرب، أي بإطلاق يد الكيان الإسرائيلي بمشاركة أميركية كاملة بحرب أوسع في المنطقة، وبما يعيد الجميع إلى «حدوده» السابقة.
وفي الوقت ذاته يستطيع الديمقراطيون الأميركيون والرئيس بايدن استعادة بعض البريق لصورتهم بعد الهزيمة الساحقة بمواجهة الجمهوريين ومرشحهم الفائز دونالد ترامب، كذلك القول إنهم مهدوا الطريق للتسوية أمام ترامب، وإنه لولاهم ولولا جهودهم لن يتمكن من إغلاق ميدان المنطقة.
طبعاً، إذا كان هذا هو التوجه فإن فيه نقصاً كبيراً، وضعف قراءة وتحليل للمنطقة وتطوراتها خلال السنوات الأربع الماضية، خصوصاً في هذا العام الأخير منها.. وإذا كان ترامب سيتعامل معها من منظور أنها هي المنطقة نفسها خلال رئاسته الأولى (2016-2020) فهو سيفشل بالتأكيد، هذا من جهة.. أما من جهة ثانية فإن المنطقة بالعموم لطالما كانت لها مفاجآتها ومساراتها غير المتوقعة في منعطفات تاريخية عديدة.. وربما قد تكون اليوم في أحد هذه المنعطفات.. في منطقتنا كل السيناريوهات واردة ومتوقعة، خصوصاً في هذه المرحلة الميدانية الساخنة، حيث تكون الاستدارات المتوقعة كاملة، وسبق أن شهدنا في الفترة الماضية أكثر من استدارة، تركيا مثلاً.. ولكن هل من الممكن أن نشهد استدارة ترامبية من نوع مختلف وغير متوقع؟ ربما. ترامب كما يبدو يعود بنظرة مختلفة ونظريات مستجدة وفق المستجد الهائل الذي حفلت به منطقتنا والعالم خلال السنوات الأربع الماضية.
كاتب وأكاديمي عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار