أميركا تريدها حرباً أهلية في جورجيا والعين دائماً على روسيا.. فهل تنجح؟

تشرين:‏

يبدو أن الولايات المتحدة قررت النفخ أكثر على نار الانتخابات البرلمانية في جورجيا التي ‏جاءت نتائجها بغير ما تشتهي، وبما يؤثر بصورة كبيرة في مخططاتها ضد روسيا، ‏خصوصاً في أوكرانيا.‏
وتبعاً للتصريحات الأميركية، ولحملة إعلامية غربية شرسة ضد نتائج الانتخابات التي فاز فيها ‏الحزب الحاكم «الحلم الجورجي» وبنتيجة غالبة.. فإن المسألة لن تتوقف عند ذلك فقط، بل إن ‏التطورات تتجه نحو تصعيد دراماتيكي باتجاه «ثورة ملونة» أخرى لن تتوانى أميركا عن ‏إشعالها، ولكن هل ستتمكن من ذلك كما فعلت في «ثورة» عام 2003؟ ‏
فريق واسع من المراقبين يشكك في ذلك، فمنذ ذلك العام حتى اليوم تغير كامل المشهد ‏العالمي، وبصورة خاصة روسيا، بل إن أميركا نفسها تغيرت. أما جورجيا فهي منذ عام ‌‏2022 اتخذت خطاً أكثر وضوحاً ومباشرة في الافتراق عن الولايات المتحدة باتجاه روسيا، ‏وكانت لها مواقف جريئة للغاية في بعض الأحداث، خصوصاً في الإقليم، وبالأخص منه الحرب ‏الأوكرانية ورفض اتخاذ مواقف ضد روسيا.

وكانت جورجيا قد دخلت على خط وساطة هنغارية قام بها رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور ‏أوربان، الذي زارها قبل نحو ثلاثة أشهر، في إطار مساعي التفاوض مع روسيا وإنهاء حرب ‏أوكرانيا، وهو ما أثار غضباً أميركياً أوروبياً عليه كان نتيجته التبرؤ منه ومن وساطته، هذا ‏من جهة.. ومن جهة ثانية فإن هذه الوساطة دفعت أميركا إلى التركيز أكثر على جورجيا، التي ‏أرادتها جبهة ثانية مع أوكرانيا ضد روسيا، لكنها أخفقت حتى الآن.‏
ومن سياق تطورات ما بعد إعلان النتائج، فإن السيناريو المرتقب في جورجيا لن يشذ عن عام ‌‏2003 (أو عن غيره مما عرف بدول الثورات الملونة).. الحزب الحاكم يعلن فوزه.. ‏المعارضة (التي هي مدعومة من أميركا) ترفض ولا تعترف بالنتائج وتطلق اتهامات ‏التزوير، في محاولة لتغيير النتائج.. وإذا لم تنجح تهدد بتغييرها بالقوة.. ثم تنزل إلى الشوارع ‏في احتجاجات عنيفة وتحرض على استخدام القوة لجر الطرف الآخر إلى «معركة شوارع».. ‏يسقط قتلى وجرحى من الطرفين، لكن أميركا لن ترى إلا المعارضة ولن تعترف إلا بقتلاها ‏وجرحاها، ثم تتقدم أكثر على الأرض ويتقدم معها الأوروبيون الموالون، وتهدد بتوسيع دائرة ‏التحرك باتجاه حرب أهلية تفرض فيها المعارضة، فإذا ما رضخ الحزب الحاكم فإن البلاد لن ‏تصل إلى هذا السيناريو، وإذا ما رفض فإن أميركا لن تتوقف حتى تحقيق ذلك.. و«تحقيق ‏ذلك» هو ما تسميه أميركا تحقيق الديمقراطية ولو بحرب أهلية مفتوحة، المهم ألا تربح ‏روسيا حليفاً جديداً.‏

وفي وقت سابق، كشف مؤسس حزب الحلم الجورجي، بيدزينا إيفانيشفيلي، أن الدول الغربية ‏كانت تحرض رئيس الوزراء الجورجي السابق إيراكلي غاريباشفيلي على فتح جبهة مع ‏روسيا، وإجبار جورجيا على الحرب ضد روسيا مرة أخرى وما سيترتب على ذلك من ‏عواقب.‏

وقال إيفانيشفيلي في حديث لقناة «إيميدي» الجورجية: عندما تحدث عن ذلك مسؤول (غربي) ‏رفيع، سأله إيراكلي: كيف تتصورون ذلك، وكم يوماً سنستطيع القتال، وكم يوماً سنصمد؟ ‏
وقالوا له: ربما 3 أو 4 أيام. ‏
فقال: ومن أجل هذه الأيام الـ 3 أو الـ 4 أنتم تدمروننا؟ ‏
فردوا عليه: هناك ما بين 3 و4 ملايين منكم وخلال الأيام الـ 3 أو الـ 4 لن يقتلوا جميعهم، ‏وفي وقت لاحق بإمكانكم شن حرب عصابات في الغابات، ونحن سنساعدكم.‏
ولم يذكر إيفانيشفيلي الدولة الغربية التي كان يمثلها المسؤول المذكور في تصريحه.‏
عملياً لم تخفِ الولايات المتحدة نياتها، فقد دعا وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إلى التحقيق في ‏ما زعم أنها انتهاكات في الانتخابات البرلمانية الجورجية، وقال في بيان أصدرته الخارجية ‏الأميركية: ننضم إلى الدعوات المطالبة بإجراء تحقيق كامل في كل التقارير المتعلقة ‏بمخالفات الانتخابات في جورجيا.‏
وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قد هدد بـ«عواقب وخيمة إذا لم تغير الحكومة ‏الجورجية مسارها»، قائلاً: لقد دعونا هذا العام باستمرار الحكومة الجورجية إلى التخلي عن ‏الإجراءات المناهضة للديمقراطية والعودة إلى المسار الأوروبي الأطلسي.. لا يمكننا أن ‏نستبعد وقوع المزيد من العواقب إذا لم تغير الحكومة الجورجية مسارها.‏
وعلقت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في قناتها على ‌‏«تيلغرام»: لقد وصلت الديمقراطية يا سيدي، المحطة التالية هي الاستعمار الجديد.‏
وفي وقت سابق أصدرت حكومات ألمانيا وكندا وأستونيا وإيرلندا وإيطاليا ولاتفيا وليتوانيا ‏وبولندا والسويد وأوكرانيا، بياناً مشتركاً، أعلنت فيه عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في ‏جورجيا.‏

وكانت مصادر رسمية محلية مطلعة قد ذكرت أمس الإثنين أن قناصة خضعوا للتدريب في ‏أوكرانيا يصلون إلى البلاد لتنظيم استفزازات، ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن هذه المصادر ‏قولها: إن الغربيين، وفي محاولة لزعزعة الوضع السياسي الداخلي في جورجيا بعد انتخابات ‌‏26 تشرين الأول الجاري وإثارة «ثورة ملونة» أخرى، لا يبخلون بأي شيء، فالقناصة ‏المدربون في أوكرانيا يصلون إلى الجمهورية لتنظيم استفزازات خلال الاحتجاجات.‏
يأتي ذلك فيما حذر البرلمان الجورجي من أن المعارضة تمهد لانقلاب، وقال رئيس البرلمان ‏الجورجي، شالفا بابواشفيلي، في مؤتمر صحفي: إن الرئيسة الجورجية، سالومي زورابيشفيلي، ‏وأحزاب المعارضة، وصفوا نتائج الانتخابات البرلمانية بأنها غير شرعية، من أجل تمهيد ‏الطريق لانقلاب في البلاد.‏
وأضاف: هذا المشهد تم إعداده مسبقاً، إعلان عدم شرعية النتائج، والخروج بحكومة تصريف ‏أعمال.. كل هذا هو مشهد انقلاب يتجهون إليه وبالتالي يخالفون النظام الدستوري.‏
وأكد بابواشفيلي أن جورجيا لن تسمح بذلك.‏
يتزامن ذلك مع حملة إعلامية غربية شرسة على نتائج الانتخابات البرلمانية في جورجيا، ‏حيث حيث كتبت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن الانتخابات كانت الأهم بالنسبة ‏للبلاد، منذ حصولها على الاستقلال عام 1991، بينما اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن ‏أزمة سياسية تلوح في الأفق بعد هذه الانتخابات. ‏
ورأت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن النتائج تعتبر نقطة فاصلة وستحدد ما إذا كانت ‏جورجيا «التي تعد واحدة من أكثر دول الاتحاد السوفييتي السابقة موالية للغرب» ستغير ‏مسارها.. بينما دعت صحيفة «فاينانشال تايمز» المعارضة إلى الاحتجاجات بعد الطعن في ‏نتيجة الانتخابات المحورية التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها اختيار بين مستقبل في ‏أوروبا والتحالف مع موسكو، وقالت صحيفة «ديلي ميل»: نتيجة الانتخابات قد تزعزع ‏استقرار المنطقة ما يجعلها نقطة مهمة أمام العالم.‏
ولفتت صحيفة «إيكونوميست» إلى أن حجم انتصار الحلم الجورجي (الحزب الحاكم).. ‌‏«أخرج الريح من أشرعة المعارضة»، حيث سيؤدي إلى تدمير آمال البلاد في تشكيل تحالف ‏موال للغرب، بل سوف يؤدي في واقع الأمر إلى إبطاء رغبة البلاد بالاندماج في الاتحاد ‏الأوروبي.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار