الليطاني أو تراتيل الحرب
تشرين- ادريس هاني :
- هو نهر الليطاني، الذي يحيل إلى التراتيل الجماعية في الكتاب المقدّس، إلاّ أنّ لعنة الجيوبوليتيكا جعلت منه نهر الموت، هو اليوم يشهد قصفاً شديداً، وهو النهر الذي يقيم على ضفافه ما يربو على مليون لبناني، بالعودة إلى إيف لاكوست، الجغرافيا تُستعمل في شنّ الحرب، كان المُلهم لفكرة لاكوست هي فيتنام، وكيف تسممت البيئة بفعل الغارات التي أحرقت الحرث والنّسل.
اليوم لليطاني دلالة حربية، بل هو حزام أمني به ترتسم حدود النّار، ففي الوقت الذي يشترط الكيان خروج المقاومة من جنوب النهر وانسحابها إلى شماله، بات هذا الاشتراط غير قابل للتنفيذ، وهو اليوم بات في عداد المستحيل، وكان نبيه برّي قد عبّر عن تلك الصعوبة بما يكفي من البلاغة حين قال بأنّ نقل الليطاني إلى حدود الكيان أسهل من نقل المقاومة إلى شماله.
- يعتقد الكيان أنّه في موقف لفرض شروطه بعد كلّ هذه المجازر في حقّ المدنيين، الحرب خرجت عن قواعدها المُقررة، مقامرات رئيس حكومة الكيان أعادت الحكاية إلى ما قبل القرارات الدولية، الاحتلال يحلق ويغتال، لكنه عاجز أن يزحف على الأرض، فكيف سيعلن انتصاره الإستراتيجي وهو عالق في التخوم؟!
- تستمد المقاومة مشروعيتها وشرعيتها من شعبها، أيُّ معنى للتشنيع حين يصدر من الأغراب والأباعد؟ لكنّ التماهي مع سردية الاحتلال في شيطنة شعب يكافح الاحتلال، هو تقمّص يمنح فرصة للتعبير عن أحقاد مصدرها الجهل، ولهذا الغرض تشتغل البروباغاندا لحراسة الجهل وصناعة الكراهية، لم تشهد حقبة من الحقب أن تمّت شيطنة مقاومة واستحمال احتلال، والاستحمال هنا يحيل إلى الحَمَل، بالفعل لقد منحت الهزيمة التّاريخية كلّ الشروط لتقبّل صورة احتلال بوصفه حملاً وديعاً.
- واجهت المقاومة في الأراضي المحتلة حملات من التشنيع لم تتوقّف، كان أخصر طريق للنيل منها هو استهدافها في مآقي أيديولوجياتها وانتمائها، فلقد عيّروها في أطوار قوميتها، وشيوعيتها، وإسلاميتها.. وأحيانا عيروها في هويتها وعرقها ونحلتها.. إنها مغالطة الاختزال، وكأنّهم ينتظرون أن تكون مقاومة يُجمع عليها الكنيست حتى يرضوا عنها، أو تكون مقاومة ليبرالية تنطلق من بورصة وول ستريت.
- حين تكون الإبادة في وضح النّهار، والخراب منهجية يومية، ماذا تنتظر من شعب استوى العيش لديه والرّدى؟ هل ينتظر القتلة أن يُستقبلوا بالورود؟
إنّ مطلب عودة المقاومة إلى شمال الليطاني تحمل دلالة مفارقة، وهي أنّه مطلب قديم، ولا زال جيش الاحتلال يُطالب، ولو كان قادرا على تحقيق ذلك برّا لما طالب به، هذا يعطينا فكرة عن أن المقاومة لم تسقط كما روجت دعاية غوبلز.. إنّ المقاومة تتحرّك على امتداد جغرافيتها، وليس أمام الاحتلال إلاّ أن يُطالب.