المنطقة وخطوط الاشتباك الأخطر.. الكيان يُراجع نتائج الميدان والمقاومة اللبنانية توسع «إنذارات الإخلاء ونمط القنص»
تشرين – مها سلطان:
ماذا الآن؟.. سؤال يستمر، كما هو سؤال: ماذا بعد؟ حيث لا شيء آخر سوى التصعيد ومزيد من التصعيد، ولا يهم هنا كل ما يُقال عن معادلات وقواعد اشتباك تمنع قيام الحرب الموسعة، كما لا يهم ذلك الحديث عن أن المنحى العام للميدان يسير نحو خط النهاية بصورة حتمية خلال أسابيع قليلة مقبلة بفعل تراكم «النتائج» التي ستعمل على إغلاق الميدان.. أما هذه النتائج فلا تزال غير موثوقة، أو لنقل غير واضحة وغير مفهومة وغير منطقية، رغم أن الجميع تقريباً يتحدث عنها، بينما الوقائع تؤكد أن الميدان تجاوز خطاً جديداً أشد خطراً (والحديث هنا عن إيران والكيان الإسرائيلي).. وقد يكون مرد «حديث النتائج» محاولة للضغط أو لإشاعة نوع من وجوب التسليم خصوصاً عندما يكون الحديث أميركياً والهدف إسرائيلياً.
حزب الله/ مرحلة متقدمة
بكل الأحوال، ومرة أخرى لا بد من الانتظار بعض الوقت أيضاً حتى يتضح الخط الجديد الذي تجاوزه الميدان بعد «الرد» الإسرائيلي يوم السبت الماضي، وبعد أن انتقلت المقاومة اللبنانية/حزب الله إلى مرحلة أخرى متقدمة عنوانها إنذارات الإخلاء التي توجهها للمستوطنين شمالاً ووسطاً بدءاً من (كريات شمونة إلى يسود هامعلاه، أييليت هاشاحر، حتسور حجليليت، كرمئيل، معالوت ترشحيا، إيفين مناحيم، نهاريا، روش بينا، شامير، شاعل، ميرون، كابري، أبيريم، دلتون، نفي زيف، كتسرين، كفار حناينا، مانوت، بيت هاعيمك، كفار فراديم، حراشيم، بيريا، كدمات تسفي.. وبار يوحاي).
وفي مقطع فيديو نشره الإعلام الحربي لحزب الله فإن المستوطنين في هذه المستوطنات المعلن عنها يجب عليهم الإخلاء فوراً لأن مستوطناتهم « تحولت إلى مكان لانتشار واستقرار قوات العدو العسكرية التي تهاجم لبنان، بفعل ذلك أصبحت أهدافاً عسكرية مشروعة للقوة الجوية والصاروخية في المقاومة الإسلامية».
مرة أخرى لا بد من الانتظار حتى يتضح الخط الجديد الذي تجاوزه الميدان بعد «الرد» الإسرائيلي وبعد أن انتقل حزب الله إلى مرحلة متقدمة عنوانها انذارات الإخلاء
ومع مرحلة توجيه الإنذارات، يتم تكثيف الضربات جغرافياً وعدداً، حيث أعلن حزب الله في بيانات متتالية اليوم استهدافه مستوطنتي المنارة ومرغليوت بصلية صاروخية، وتنفيذ 4 استهدافات ضد تجمعات القوات الإسرائيلية عند بوابة فاطمة في بلدة كفركلا.
فيما يواصل الطيران الإسرائيلي غاراته الوحشية على القرى والبلدات اللبنانية، مستهدفاً اليوم مدينة صور الجنوبية وبلدة شمسطار في البقاع ما أدى إلى استشهاد ستة مواطنين لبنانيين.
وعن مرحلة توجيه الإنذارات أشار الإعلام الإسرائيلي إلى أن «علامات انتعاش حزب الله واضحة»، في إشارة إلى مزاعم المستوى السياسي في الكيان بأنه تم القضاء على مقدرات الحزب القيادية والصاروخية.
وتحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن القتال العنيف الذي يدور في جبهة الجنوب والجنود الإسرائيليين القتلى، وعما سمته «نمط القنص الأول والناجح للحزب، أي إطلاق نار دقيق ومخفي من بضع مئات من الأمتار».
وتنصح الصحيفة الإسرائيلية بأن يتم التعامل مع ذلك بـ« مراعاة الانضباط العملياتي من دون تمركز العديد من الجنود في النقطة نفسها – خاصة في منطقة مفتوحة – ومن دون تكرار حركة المرور على الطرق نفسها التشغيلية واللوجستية. إضافة إلى ذلك أن يكون لدى القوات تنبيه ينطلق من مكبرات الصوت الخاصة بها عند اكتشاف إطلاق نار باتجاهها».
لكن «يديعوت أحرونوت» لمحت إلى أن نطاق العملية البرية الإسرائيلية في الجنوب قد يتوسع في الأيام المقبلة إلى ما هو أبعد مما كان مخططاً له، أي إلى ما هو أبعد من الـ«5 كم» الحالية.
«يديعوت أحرونوت»: رغم حقيقة أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن وقف إطلاق النار إلا أن العمليات في قطاع غزة انتهت عملياً من دون أن تحصل «إسرائيل» على أي شيء في المقابل
جبهة غزة
أما على جبهة غزة، فتحدثت «يديعوت أحرونوت» عن حركة حماس من المنظور نفسه الذي تحدثت عنه فيما يخص حزب الله، فتقول: إن الحركة عادت للنشاط في مناطق شمال غزة برعاية من السكان الذين يطلبون منها العودة لـ«فرض القانون والنظام»، حسب تعبير الصحيفة الإسرائيلية التي تؤكد أن حماس تتعافى بصورة كبيرة وأنه يتم «إبلاغ الجنود الإسرائيليين بالفعل بأنهم سيعودون للقتال في قطاع غزة طوال عام 2025 أيضاً».
وترى «يديعوت أحرونوت» أن «انهيار حماس لن يحدث إذا لم يكن هناك بديل عنها.. ومن الناحية العملية فإن تصرفات المستوى السياسي تتسبب ببقاء حماس وغياب هدف رسمي لليوم التالي» ما بعد الحرب.
وتشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن الكيان لم يتحقق له أي من أهدافه، وتقول: إن الضغط العسكري فشل في استعادة الرهائن، وتضيف: رغم حقيقة أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن وقف إطلاق النار، وخاصة بعد اغتيال يحيى السنوار، إلا أن المناورة العسكرية في معظم أنحاء قطاع غزة قد انتهت عملياً، من دون أن تحصل إسرائيل على أي شيء في المقابل».
ما قالته «يديعوت أحرونوت» ينسجم بصورة كبيرة مع رسالة قيل إنها «سرية» وجهها وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت إلى متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو وأعضاء في الحكومة المصغرة، عبّر فيها «عن مخاوفة من إدارة حرب من دون توجه استراتيجي واضح».
وأشار غالانت إلى أن «التطورات الكبيرة، وعلى رأسها تبادل الضربات المباشرة (مع إيران) تتطلب نقاشاً عاجلاً وتحديثاً لأهداف الحرب»، وقال: إن غياب البوصلة والتوجيه الاستراتيجي الواضح يضعف إدارة الحرب ويؤثر سلباً في قرارات الحكومة المصغرة.
وكان غالانت قد جدد يوم الأحد الماضي تأكيده أنه «من أجل القيام بواجبنا المتمثل في إعادة المختطفين، سيتعين علينا تقديم تسويات مؤلمة».
مسار التفاوض
وفيما يخص الرهائن، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو (مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش) رفض المقترح المصري بوقف لإطلاق النار في غزة لمدة يومين يتم خلاله إطلاق أربع رهائن إسرائيليين، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، على أن يكون هذا المقترح نواة لصفقة أكبر خلال الأيام التالية يتم فيها التفاوض على وقف كامل لإطلاق النار.
ومن المتوقع انعقاد مفاوضات جديدة في العاصمة القطرية، الدوحة، لاستئناف مسار التفاوض،بحضور وليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
منطقة مختلفة/خطرة
وفيما يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة اليوم لبحث «الرد» الإسرائيلي بناءً على طلب من طهران، أكدت إيران أن عواقب هذا الرد الذي وصفته بالجريمة «ستكون مريرة ولا يمكن تصورها من المحتلين».
يأتي ذلك في وقت رأت فيه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن الشرق الأوسط بات في أقرب درجات الخطر، بفعل أن المواجهة بين إيران والكيان الإسرائيلي باتت تتخذ وجهاً مباشراً/ علنياً، بعد أن كانت خفية لسنوات.
«واشنطن بوست»: تجنبنا ثوراناً هائلاً مرة أخرى لكن الهدوء مؤقت والحرب الأوسع التي يخشاها كثيرون موجودة بالفعل والشيء الوحيد الذي ما زال يتعين تحديده هو شدتها ونطاقها
وترى أنه كان لافتاً إعلان الكيان الإسرائيلي – للمرة الأولى – عن شن هجوم مباشر على الأراضي الإيرانية مقابل أن إيران تفعل المثل، وهذا لم يكن ليحدث قبلاً.. بمعنى أن الكيان لطالما استهدف مصالح وشخصيات إيرانية من دون إعلان ولا تبنٍّ، حيث كان يلتزم اللاتعليق.
وترى «واشنطن بوست» أنه استجابة لضغوط إدارة الرئيس جو بايدن، لم يستهدف الكيان منشآت النفط الإيرانية أو المواقع النووية – وهو القرار الذي ينتقده المتشددون بالفعل في «إسرائيل».
وتضيف: يبدو أن المنطقة بأكملها على وشك الانفجار.. ربما كان بوسعنا أن نتجنب ثوراناً هائلاً مرة أخرى، لكن الهدوء مؤقت والحرب الأوسع في الشرق الأوسط، التي يخشاها كثيرون، موجودة بالفعل.. والشيء الوحيد الذي ما زال يتعين تحديده هو شدتها ونطاقها.
وتتابع «واشنطن بوست»: من خلال استهداف مواقع الدفاع الجوي الإيرانية، جعلت «إسرائيل» إيران أكثر عرضة للضربات الجوية الإسرائيلية المستقبلية – إذا هاجمت إيران «إسرائيل» مرة أخرى- أو إذا خضعت حكومة نتنياهو للضغوط اليمينية لتوجيه ضربة أكثر حسماً.
وبهذا الخصوص، كتب الدبلوماسي الأميركي المخضرم آرون ديفيد ميلر على منصة «إكس»: ربما نجحنا في تفادي رصاصة قاتلة هذه المرة، لكننا دخلنا منطقة مختلفة، فقد اتسعت قدرة «إسرائيل» وإيران على تحمل المخاطر.. والآن يرى كل منهما أنه من الممكن تجنب الحرب الشاملة حتى بعد توجيه ضربات مباشرة إلى أراضي الآخر.. وهذه منطقة خطرة.