في قرية نائية كان الناس جميعهم يعتمدون في طعامهم ومؤونتهم على حليب بقرة “مدرارة”، وفي يوم من الأيام أرادت البقرة الشرب من إناء، فعلق رأسها داخله وباءت كل محاولات أهل القرية لإخراجه بالفشل، فلجؤوا إلى المختار قاصدين “نباهته”، فرأى الحل بأن أمَرَهمْ بقطع رأس البقرة، ولكن لم تُحلّ المشكلة، فهم يحتاجون الإناء، فأمرهم بكسره أيضاً، وبعدها جلس في ركنه حزيناً، فأتى إليه أهل القرية يواسونه قائلين: فداك البقرة يا مختار، وفداك الإناء، المهم ألّا تحزن، فأجابهم : حزني ليس على البقرة ولا على الإناء، وإنما عليكم كيف كنتم ستتدّبرون أموركم لو لم أكن معكم !.
اليوم “مخاتيرنا” كثر في مؤسساتنا، وكل يعتبر نفسه “الأفهم” وأنه الوحيد الذي يمكنه انتشال “الزير من البير”، و القادر على النهوض بكل مفاصل مؤسسته، فتراه متفرداً بالقرارات ومهمشاً ذوي الكفاءات والخبرات، مع إن قراراته وأداءه كانا السبب الجوهري في تراجع أداء مؤسسته أو مديريته.
اليوم نرى التراجع واضحاً في بعض المؤسسات، وباتت بحاجة ماسة إلى من ينتشلها من تدهورها وتراجعها، علماً أن فيها كفاءات يمكنها أن تجعلها في مقدمة المؤسسات، ولكن “مختار المؤسسة” لا يراهم، بل يرى نفسه في مرآته فقط بأن جهوده وآراءه النيّرة لا يمكن الاستغناء عنها، علماً أنه يتخذ شماعة الظروف في تراجع الأداء، ولكن عند أي إنجاز ولو بسيط لكوادره ومرؤوسيه، ينسبه إليه لتلميع صورته، حتى انطبق عليه مثل الذبابة التي وقفت على قرن ثور وهو يحرث أرضاً، وادعت أنها كانت تحرث!.
لإعادة النهوض بمؤسساتنا، فإن أمام الحكومة مسؤوليات كبيرة، أولها التخلص من فساد بعض المديرين، فالداء كامن فيهم، وإجراء عملية تقييم شاملة لجميع المؤسسات والتركيز فيها على الكفاءات فقط لتولي مهام الإدارات، وألا تترك الأمور على سابق عهدها، حين كان التعيين أحياناً يتم بناء على المحسوبيات، وإيصال فلان إلى مكان ما إرضاء لمن تربطه به علاقات مصلحة أو “كرمى لعيونه”، أو لمن يعتبرون أنفسهم “موّانين”، فمصلحة البلد فوق كل اعتبار وكفانا تراجعاً بسبب “مخاتير” بعض مؤسساتنا !.
غيداء حسن
68 المشاركات