لبّ الصراع عند أولي الألباب ‏

تشرين- ادريس هاني: ‏

حين التقطت هذه الصورة قبل ثلاثة عقود وهي من مخلّفات الحرب الأهلية ببيروت، كنت ‏أعتقد أنها آخر صور الخراب.. ما يحدث اليوم هو أفظع بكثير، قصف لا حدود له.. القصف ‏طال كل النّواحي: حارة حريك، الجناح، بير العبد، برج البراجنة، سان تيريز، الشياح، بير ‏حسن، الأوزاعي، الشوف، الغبيري…ناهيك بقرى الجنوب والبقاع.‏

‏ لو سقطت كل معالم البلد على طريق فرض الاستسلام ووضع شروط الغالب، لكن ما هو ‏مفهوم الغالب؟ قد تسقط كل المعالم إلّا المقاومة وإنسانها، فهي ليست بنية تحتية، بل هي قبل ‏كلّ شيء بنية فوقية لا يطولها البارود.‏

ارتقت قيادات المقاومة في كل من غزة ولبنان كأوراق الخريف، وهو شيء متوقّع في المبدأ، ‏لأنّهم يخوضون حرب عصابات، غير مزودين بطائرات، وفي كل تاريخ المقاومة لم يكن ‏للفدائيين طائرات، ولم تكن القوة متكافئة في معارك التحرير، لكن كل هذا لم يوقف مبدأ ‏مناهضة الاستعمار.‏

ظلت بيروت عاصمة الكفاح والتحرر حيث قصدها الفدائيون الفلسطينيون واستوطنها لاجئون ‏فلسطينيون، كان لبنان وجنوبه ظهراً وحضناً للثورة الفلسطينية، وحتى حينما حدث اجتياح ‏بيروت عام 1982، شارك اللبناني والفلسطيني معاً في معركة التحرير، لم يكن الإسناد بدعاً ‏في تاريخ لبنان، والتخوم التي خرقها الاحتلال أول مرة، انتهت بتمزيق نسيج اجتماعي ظل ‏قائماً حتى حين بين الجنوب والجليل.‏

إنّ البدع الحقيقية هي ما آل إليه المزاج العربي الذي يخفي استقالته وهزيمته خلف عناوين ‏شتّى، تستنزف وعي من ليسوا مؤثرين في مصير الشرق الأوسط بقدر ما هم منغّصون ‏لمزاجهم الداخلي. ‏

يقع الشرق الأوسط جنوب غرب الهارتلاند، ولهذا سيكون مستهدفاً، لأنّه مركز الحضارات ‏الروحية في العالم ومركز النّفط وعصب الاقتصاد الدّولي، الشرق الأوسط كنسق دلالي يتجاوز ‏مفهوم الدولة-الأمة، بل هو مركز لحوار الحضارات أو صراعها، هو عرق دسّاس في كل ‏الحضارات، ومصدر موارد طبيعية بها يقوم العصر الحديث، هو مجال للصراع، لأنّه يملك ‏هذا المركز، وسؤاله اليوم هو: هل سيخضع لشرق أوسط بشروط إمبريالية أو ينتفض لتحقيق ‏السيادة؟ هو يكافح عن نسقه الدّلالي، عن جغرافيته الموصولة بميراثه الرمزي، هنا مكمن ‏القضية، وهذا هو لبّ الصراع عند أولي الألباب.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار