تداعيات الأدب الحقيقي عبر التاريخ وما يصادفه من أعداء
تشرين- محمد خالد الخضر:
منذ أن بدأت المواهب الأدبية تظهر وأصبحت في مقدمة المجتمعات، ولا سيما إذا كانت داعمة أخلاقياً وثقافياً لبيئتها المحيطة بها .. تتجلى العداوات الكثيرة ، وخاصة إذا كانت البيئة المحيطة بهذا الأديب هي بيئة متطورة أو معروفة ولها حضور إنساني .. وهذا أكثر ما واجهه عنترة العبسي الذي حاولت النيل منه كل القبائل العربية.. والشنفرى كان في مقدمة شعراء الصعاليك، وهو صاحب المعلقة الاستثنائية التي كان منها قوله :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم
فإني إلى قوم سواكم لأميل
والنابغة الذبياني الذي كان أول رائد في النقد العربي إضافة إلى موهبته الشعرية الكبيرة فهؤلاء الشعراء لم يعرف شيخ عشيرة أو زعيم قوم إلا بسببهم، وهذا ما حدث لسيف الدولة الحمداني الذي بسبب محبة أبي الطيب المتنبي له.
وتحولت هذه الحالة إلى أن وصلت إلى عصرنا الحديث وأصبحت تكاد المكائد إلى فرسان الأدب الذين يدافعون عن أهلهم ووطنهم وخاصة الذين يحتفظون بأصالتهم وانتمائهم .. فلم يرشح إلى جوائز عالمية إلا الشعراء الذين خرجوا عن المألوف وقلدوا أعداء ثقافتهم مدعين التطور والحداثة والتجديد .. وهذا ينطبق على كثير من الأدباء فلولا العلاقة التي ربطت نجيب محفوظ بأصحاب التطبيع والسلام الذي يعتمد على التخلي عن الحقوق لما أشاروا إليه بجائزة نوبل، ولما رشح إليها آخرون اعترفوا بدولة الكيان على أنها تنتمي إلى منطقة جغرافية معينة ولما قتل غسان كنفاني الذي كان مناضلاً مقاوماً.
والأخطر من هذا وذاك هو تفكك الحالة الثقافية في الأمة العربية فصارت حياة الشاعر الموهوب صعبة جداً فيتعرض إلى الأقاويل والدعايات والخيانات والغدر .. وفي الوقت عينه يشار بالأنامل وغيرها إلى الذين لا علاقة لهم بالكتابة ولا الثقافة .. والأكثر غرابة إن بعض الدول أكثر من تدعيهم إلى الأنشطة الثقافية هم من النساء الضعيفات ثقافياً والمتبرجات المتزينات .. فلا تدعى شاعرة من تمتلك موهبة حقيقية وقيمة وجدانية.. كما لا يدعى من الأدباء من يلتزم بقضايا أمته نهائيا مهما كانت موهبته متطورة ، وهذا ليس من باب التوسل أو التسول فلا يكون المناضل والمثقف الحقيقي سعيداً إلا إذا كانت بلاده في المقدمة.
وعلينا أن ندرك تماماً أن كل ما يصنع إلى ذلك له أسباب ليست لمصلحة الثقافة العربية .. فما يسمى بصحف ومجلات تسعى لاستقطاب النساء غالبا ولاستقطاب الضعفاء الذين يقبلون بأي كتابة هي ليست في إطار الترخيص وليست في إطار الحقيقة .. ونسعى دائماً لنبقى على كرامتنا الثقافية والإبداعية متمنين ألا ينطبق علينا قول عمر أبو ريشة :
يا أمة رضيت بالعار فانطلقت
فيك الطواغيت تحطيماً وتهديماً
لا تعجبي من سكوت مطرقاً خجلاً
إن الصواريخ لا تؤذي الجراثيما.