حقائق صادمة.. نصف حالات الطلاق بسبب الأزمات المالية والخلاف على إدارة ميزانية المنزل بين الزوجين
تشرين- إلهام عثمان:
في خضم الأزمات الاقتصادية الحالية يظهر أمر الصرف كإحدى أبرز القضايا التي تؤرق الحياة الأسرية، فبين ارتفاع الأسعار ونقص المدخول تتزايد الضغوط على الزوجين, ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى نشوء توترات قد تنتهي بتفكك الأسرة.
(أم هادي) ربة منزل في الـ٤٣ من عمرها، تقول: يعمل زوجي موظفاً في إحدى المؤسسات الحكومية صباحاً، إضافة إلى عمله في شركة خاصة مساءً، ورغم ذلك فالإنفاق كبير، وتضيف: أحياناً بسبب ضيق الحال وعدم التوازن بين الصادر والوارد من المدخول، وعجزنا أحياناً أمام أبنائنا عن تأمين ما يلزم، تنشأ بعض المناوشات، إلا أنه في نهاية المطاف تحل تلك المشكلة بالتنازل عن بعض الأمور الحياتية الكمالية.
من يتحكم في الميزانية؟
من يتحكم في صرف المال في البيت السوري؟.. سؤال مهم يطرح كل يوم وعلى عتبة كل منزل، وفقاً لما أكدته الخبيرة الأسرية د. نهاد سيروان خلال حديثها لـ” تشرين”، مبينة أنه مع التحديات المالية الكبيرة التي يواجهها المجتمع، يصبح لكل قرش أهمية، ولابد أن يوضع في المكان المخصص له وللأكثر حاجة، ومن هنا تبدأ الصراعات بين الأزواج على من يتحمل مسؤولية ” توزيع الصرف”, وفي هذا السياق تقول سمر (امرأة في الثلاثينيات من عمرها): “عندما كنت أعمل، كنت أشعر بأن لدي صوتاً في اتخاذ القرارات المالية، أما الآن وبعد تفرغي لتربية أطفالي وتركي الوظيفة، أصبحت أتعرض للضغوط بسبب قلة الموارد والازدياد المستمر في النفقات”.
سيروان: عندما تعجز الأسر عن تلبية احتياجاتها الأساسية تتجه الأنظار نحو الشريك ما يؤدي إلى توترات قد تكون مدمرة
تبعات النقص في المدخول
وهنا تبين سيروان أن نقص المدخول يقدم بيئة خصبة للنزاعات العائلية والتي تقدم في جلسات العشاء اليومية (كحفلات)، عوضاً عن التحلية المعتادة، حيث تتحول الأحاديث الودية إلى مشادات كلامية، تتسابق فيها الألسنة لتوزيع وإلقاء اللوم بين الطرفين، لافتةً إلى أنه عندما تعجز الأسر عن تلبية احتياجاتها الأساسية، تتجه الأنظار نحو الشريك، ما يؤدي إلى توترات قد تكون مدمرة.
العوامل الاجتماعية والثقافية
وهنا نجد أن العوامل الثقافية والاجتماعية تؤثر في كيفية إدارة المال داخل الأسرة، وحسب منظور سيروان، فإنه كثيراً ما تحمل النساء عبئاً إضافياً بسبب توقعات المجتمع، وحسب المثل القائل “الرجّال جنا والمرأة بنا”, حيث ينظر إليهن كمسؤولات عن إدارة المنزل ورعاية الأطفال, هذا الضغط قد يؤدي إلى تطورات سلبية، كالشعور بالعجز أو حتى الاستبعاد من اتخاذ القرارات المهمة عند البعض، إلا أنه وبسبب لجوء معظم أرباب الأسر إلى العمل لأكثر من وظيفة، وبالتالي عدم القدرة على سد ثغرات شراء الحاجيات والمستلزمات، في تلك الحالة قد تعود دفة القيادة في الصرف إلى ربة المنزل، لتتحمل تلك القرارات والمسؤولية وما يلحقها من تبعيات، أو في حال عدم قدرة الرجل على تدبر أمور الأنفاق بسبب قلة خبرته بانتقاء الأهم للبيت، فمثلاً المرأة قادرة على البحث لفترة أطول من الرجل في السوق مقابل الحصول على منتج أرخص بجودة مقبولة وقادرة كذلك على تقدير الأشياء الأهم، بينما الرجل لا يمتلك تلك القدرة على التحمل والبحث المستمر، فتجده يفضل الاكتفاء بالشراء ولو بسعر أكثر مقابل اختصار الوقت والجهد، ما يزيد من إنفاق الرصيد المخصص لمصروف المنزل.
احتمال الطلاق
في بعض الحالات، قد تصبح النزاعات المالية عاملاً حاسماً في إنهاء العلاقة، ووفقاً لتجربة (العم أبو لؤي)، وهو رجل في الخمسينيات من عمره، والذي حدثنا عن تجربة طلاقه، قائلاً: كان كل شيء يتفجر بسبب المال، لم تعد لدي القدرة على تحمل الضغوط أو تحمل اللوم، وكانت النتيجة هي الانفصال, ومن هذه النقطة تحديداً تبرز أهمية المدلولات المالية وقدرتها على زعزعة استقرار الأسرة من جذوره، فيسجل الطلاق نفسه كحل مرير للكثير من الأزواج.
العدو الخفي
وعن الأمور الأكثر شيوعاً لمسببات الطلاق، يكشف المحامي علي طه من خلال تصريحه لـ” تشرين”, أن المال هو العدو الخفي الذي يحارب العلاقات الزوجية بلا هوادة.
طه: 25% إلى 50% من حالات الطلاق سببها المشكلات المالية
وعن التقديرات التي تنتهي بالطلاق، يمكن تقديرها، وفقاً لطه، ما بين 25% و 50%، مشيراً إلى الضغوط والمخاوف المالية تتربع على عرش الأسباب التي تؤدي إلى الانفصال, وذلك بسبب التذبذب بين الصادر والوارد من الأموال, وعدم قدرة البعض على إيجاد الحلول المُرضية بين الطرفين في تدبر الأمور والاستسلام بالنتيجة لليأس, لذا يعد المال هو الشرارة التي تشعل الخلافات الزوجية وتدمرها أحياناً.
مخاوف مكتومة
هل يكتم الأزواج الأسرار المالية وما السبب؟ سؤال وجهته” تشرين”، ليجيب طه: يتجنب بعض الأزواج إبراز مشكلاتهم المالية أو إخفاء للأموال لعدة أسباب أولها: إما هو تجنب للمشكلات المتوقعة مع الشريك – أو لعدم الرغبة في الظهور بمظهر الضعيف أمام الزوجة- أو لشعوره بالظلم و بأنه يجب أن يحتفظ بجزء من الأموال مقابل تعبه في جنيه، بينما يؤدي عدم “الوضوح” هذا إلى انقسامات أكبر بين الأزواج, إذ تميل إلى أن تصبح أكثر حدة، ما يؤثر سلباً في التفاعلات الأسرية، خصوصاً أمام الأطفال.
يعملون معاً ويختلفون
يوضح (محمود) وهو موظف أن زوجته تطالب بإنفاق كل ما لديه من أموال على احتياجات الأسرة، بينما تفضل هي الاحتفاظ بأموالها لنفسها, وتدخل في صلب الموضوع زوجته (رشا) لتقول: عندما أقوم بشراء احتياجاتي الخاصة أو إكساء طفلي، فأنا أختصر عليه الكثير من النفقات، في حين عليه أن يقوم بتأمين ما تبقى للمنزل، وهذا بحد ذاته يخفف الحمل عنه ومساعدة كبيرة له.
سيروان: المسرفون يميلون لمغازلة المدخرين ولكن غالباً ما تتسبب اختلافات الإنفاق بعداوات تفكك الصلات الإسرية لا سيما أن كل فرد يحمل ثقافة مالية خاصة به
تجاذب الأضداد
وهنا تعود سيروان لتؤكد أن المسرفين يميلون لمغازلة المدخرين، ولكن غالباً ما تتسبب اختلافات الإنفاق بعداوات تفكك الصلات الأسرية، لا سيما أن كل فرد يحمل ثقافة مالية خاصة به، تتشكل من تجاربه العائلية والشخصية، خاصة إذا كان المورد محدوداً، إذ يميل الزوجان إلى التخاصم أكثر بسبب شح المال ما يتسبب بحالة من القلق والتوتر.
التعامل مع الأزمات المالية
ولتجنب الشجار حول المال، توضح سيروان أن لكل من الشركاء طريقته في التعامل مع مسألة الإنفاق، وتفاصيل إسهام كل طرف في الميزانية، لذا لابد من الاتفاق على أساسيات كيفية إنفاق المدخول، أيضاً يجب مناقشة ميزانية الأسرة باستمرار ووضع جدول مناسب, وحل المشكلات في حينها، وتوزيع المسؤوليات المالية, وجعل كل زوج على دراية بميزانية الأسرة وأمور الإنفاق، مشيرة إلى أهمية التواصل الواضح والمتوازن للأسرة بين المدخول والإنفاق, وتنصح بضرورة وضع ميزانية مشتركة وتبادل الآراء والأخذ بالرأي الأنسب في ترتيب الأولويات والضروريات لمتطلبات الأسرة، وأن تعامل الأمور المالية كمؤسسة مشتركة، وليس كعبء ثقيل يلقي بظلاله عشلى العلاقة.
وختمت سيروان: على الرغم من التحديات المالية التي تواجه الأسر السورية، تبقى قدرة الزوجين على الحوار والتفاهم نبض الحياة الزوجية في بناء العلاقات وحل الأزمات.