قارة مريضة أدمنت الحضن الأمريكي
تقرير – راتب شاهين:
لا يغيب عن أي متابع تملك الولايات المتحدة الأمريكية مفاتيح القارة العجوز وإرادتها وحتى أنفاسها، القارة التي أضحت نموذجاً للتبعية، الفاقدة للإرادة حتى إرادة إبداء الرأي في مصالحها الآنية والمستقبلية، لدرجة غيابها الفعلي عن قرارات حلف شمال الأطلسي «ناتو»، وخاصة التي تتعلق بقضايا مصيرية قد تأتي بالتبعات الكارثية على عموم أوروبا.
وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو، صرح في مقابلة مع صحيفة «تريبيون ديمانش»، بأن فرنسا «ليست ضد انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، لكن هذه القضية ستعتمد على الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية».
لو سأل الوزير الفرنسي نفسه، هل هذه فرنسا شارل ديغول؟، لو استطاع أن يتذكر أنها هي أو أقله على فرض أنها هي، لآثر الصمت، وإذ كان الموضوع بيد أمريكا وحدها، وهم مجرد عدد ينفذ الرغبات الأمريكية، ما نفع أن يعلن ليكورنو أن باريس مع او ضد انضمام كييف!. فالأمر سيان.
من يتابع تصريحات الساسة في الحكومات الأوروبية وخاصة النارية تجاه دول الجنوب العالمي، بكم الصلف والعنجهية، تفاجئه تبعيتهم عند رؤيتهم وهم يطأطئون رؤوسهم حين سماعهم للأوامر الأمريكية، أو يتبصرون عن ماذا تريد أمريكا؟. حتى لا تخالف تقديراتهم الإرادة الأمريكية.
قارة بكاملها تقبع على عتبة البيت الأبيض، من أجل فتات، فيما هي تنتظر أين سترمي بها الغطرسة الأمريكية؟. جاعلة من أوروبا كاسحة ألغام يمكن إعادة تدويرها، يمكن إصلاحها ويمكن نسيانها في أول بازار.
لا يمكن تبرير إرسال فرنسا والحكومات الأوروبية، لخبراء وأسلحة ومرتزقة إلى الجبهة الأوكرانية، من أجل مصلحة باريس أو لندن أو برلين وغيرها، بقدر أنها الأوامر الأمريكية، التي تحركهم كبيادق في لعبة الشطرنج الخاصة بها، هنا تأتي التحذيرات الروسية المتكررة لأوروبا من خطورة الانسياق إلى النهاية خلف الأهواء العسكرية الأمريكية، فيما واشنطن خلف المحيط تحصد المكاسب اقتصادياً، نتيجة الفوضى التي تصنعها في العالم، وأوروبا تحرق فيها ليس أصابعها بل حتى جبهتها.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حذّر أكثر من مرة الدول الأوروبية من الدخول في مواجهة مع بلاده إذا واصلت «مغامرتها الانتحارية» إلى جانب أوكرانيا.
لا يكفي هنا قول الوزير الفرنسي سيباستيان ليكورنو: «علينا أن نجد الوسائل لتحقيق السلام الدائم»، وخاصة إذا كان بشروط أمريكية لا تنتهي، معنى ذلك أن السلام يبتعد أكثر وأكثر عن القارة الأوروبية، التي تضيع منها فرصها بقدر وضع ساستها لسيادة دولهم بالقبضة الأمريكية، حتى أصبحت بلدانهم مدمنة على رغبات واشنطن الكثيرة.
أليكسي بوليشوك، مدير القسم الثاني لبلدان رابطة الدول المستقلة بالخارجية الروسية، قال: «انضمام أوكرانيا المحتمل إلى حلف «ناتو» سيضع حداً لاحتمالات التوصل إلى تسوية سياسية ودبلوماسية، ويجعل التورط المباشر للحلف في الأعمال العدائية ضد روسيا أمراً لا مفر منه، وسيؤدي إلى تصعيد غير منضبط».
من يستطيع ضبط الحرب- إن توسعت- بين الاتحاد الروسي ومن معه في الحلف الصامت وبين حلف «ناتو» بزعامة البيت الأبيض .
على أوروبا أن تعي ما تقوم به من استفزاز روسيا، التي أعدت تعديلات على عقيدتها النووية، فأوروبا الساحة الأقرب والأرضية الأكثر ترجيحاً لخوض واشنطن لمقامرتها العسكرية ضد روسيا، والبداية بأوراق أوروبية.