السوشيال ميديا تدمّر رسالة الفن!
تشرين- وصال سلوم:
هجرة الممثلين باتجاه السوشيال ميديا، تحولت إلى ظاهرة تستحق الدراسة، بعد أن غزت نجوم الصف الأول والثاني ومجموعات الكومبارس. فالجميع غير راض عن أجره المالي، والجميع يتهم الوسط بالفني بالشللية، يضاف إلى ذلك قلة فرص العمل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في المنطقة بشكل عام.
إذاً، يمكن للنجم استثمار شهرته التلفزيونية التي أسسها سابقاً، في مكان آخر مختلف وجديد، حيث لا منتج يتحكم فيه بأجر الفنان، ولا مخرج تقتصر خياراته على أصدقائه الممثلين حين الاتفاق مع أي شركة إنتاج محلية أو عربية.
الكثير من الفنانين يخرجون على (التيك تيوك)، ويرجون لأنفسهم أمام الجمهور قائلين “كبسوا.. كبسوا”.
البعض منهم اختار الحديث بمواضيع أكبر من قدرته الثقافية، فوقع في مطبات علمية وتاريخية، وآخرون فضلوا الهرب باتجاه التسلية، فغرقوا في مستنقع التفاهة، فيما آخرون تقدم بهم السن، ولم يبق أمامهم سوى استثمار سنوات الصبا عبر نبش ذكرياتهم مع الفنانين وسرد أطرف الأحداث التي حصلت معهم.
يبدو أن الفن يتعرض اليوم لأكبر عملية تشويه في التاريخ، بعد أن غابت الرسالة النبيلة وأصبح همّ الجميع الحصول على الجمهور وكسب الأرقام والمتابعة والمشتركة في القناة، من أجل أن يتكفل السادة: “يوتيوب” أو “انستغرام” أو “تيك توك” أو “إكس”، بتأمين تكاليف عيش الممثل المغمور أو المتقاعد، الذي لم يعد يمانع في أن يرقص أو أن يحكي الفضائح، من أجل الحصول على حفنة من الجمهور المشغول هو الآخر بالتسلية والترفيه، ولا يريد أن يتحمل منشوراً يتطلب تشغيل العقل أو قضاء عدة دقائق من القراءة. فالناس لم تعد تحب المنشورات الطويلة، ولا المواقف الكلاسيكية، بل هي تبحث عن شيء “يفرفح” القلب، ولا مجال للوصول إلى ذلك إلا عبر التفاهة!.
وليكن، فما المشكلة بالتفاهة، إذا كانت تدرّ نقوداً بالعملة الصعبة؟ المهم أن نؤمن قوت يومنا، ومصاريف استطبابنا وسهراتنا الخفيفة. هكذا يقول الممثلون المهاجرون إلى السوشيال ميديا، ولا يمانعون في فعل أي شيء يرفع سجل المشاهدات وعدد المشتركين في القناة، حتى لو كان مما يندى له الجبين!.
الأمثلة التي نتحدث عنها متواجدة بكثرة في الدراما السورية والعربية، والمشكلة أن من يمكن أن يتنازل عن الجدية والعمق ومستوى الإبداع، بذريعة تأمين لقمة العيش والتفاصيل الأخرى، لكن هل يمكن أن نضمه في عدم التنازل عن أكبر من ذلك، مادام المال هو المقياس؟.
منظر الممثلين المتزلفين على السوشيال ميديا محزن جداً. لقد تحولوا إلى منشئي محتوى سطحيين، لا يمانعون في الرهان على الفضيحة من أجل صناعة “تريند” يصنع “خبطة” على الصفحات، أو كما يسمونه في وسائل الإعلام المجارية لهذه الظاهرة “يشعل مواقع التواصل”، و”يتسبب بجدل كبير على السوشيال ميديا”، أو يتسبب “بصدمة للجمهور”، فعملية تجفيف المصطلحات وتسخيفها تعتبر ظاهرة موازية تتطلب حديثاً مطولاً هي الأخرى.
المبدعون لا يأكلون بفضائحهم أو بسخافاتهم. أما إذا لم يكونوا مبدعين، فيمكنهم فعل أي شيء لكسب المال، إذا تمكنوا من كسب الجمهور المطلوب، ولن يعاتبهم أحد، فالفن النبيل، لا يكلف شخصاً، أكثر من استطاعته!.