بايدن ومباحثات «الوقت الضائع» في ألمانيا.. أوكرانيا على هامش الشرق الأوسط والأوروبيون «على أعصابهم» ‏بانتظار الانتخابات الأميركية

تشرين:‏
رغم أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى ألمانيا، يوم الجمعة الماضي، تأتي في الوقت الضائع، إلا أن مجرياتها ‏ونتائجها تؤكد مرة أخرى حال القلق المسيطرة على الأوروبيين على خلفية الانتخابات الرئاسية الأميركية واحتمالات ‏فوز دونالد ترامب فيها، وكانت هذه الزيارة مقررة الأسبوع الماضي، وجرى تأجيلها بسبب تداعيات إعصار ميلتون ‏الذي ضرب ولاية فلوريدا. ‏
وبسبب حراجة موقف الديمقراطيين ومرشحتهم كامالا هاريس، نائبة بايدن، مع اقتراب يوم الانتخابات في 5 تشرين ‏الثاني المقبل، وما تظهره استطلاعات الرأي من تقدم لترامب، جاءت زيارة بايدن إلى ألمانيا قصيرة للغاية، ويبدو أنه ‏استغلها بصورة أساسية لشرح ما ستكون عليه السياسات الأميركية المقبلة، لناحية فوز ترامب أو فوز هاريس، خاصة ‏في الشرق الأوسط وأوكرانيا.‏
هذه الزيارة القصيرة لم تسمح عملياً بعقد اجتماع «رامشتاين» الذي جرى تأجيله مع تأجيل زيارة بايدن الأسبوع ‏الماضي، وهذا الاجتماع هو أهم اجتماع أطلسي/دفاعي داعم لأوكرانيا، خصوصاً لناحية إقرار سياسات التسليح ‏والسماح للنظام الأوكراني الذي يتزعمه فلوديمير زيلينسكي، بضرب الأراضي الروسية بالصواريخ البعيدة المدى التي ‏يزوده الغرب بها.‏
ويبدو أن الزيارة ركزت بصورة أساسية على قضايا الأمن الأوروبية، وليس تحديداً على أوكرانيا، وكان الرئيس ‏الألماني السابق فرانك فالتر شتاينماير قد منح بايدن أعلى وسام في ألمانيا، وهو وسام الصليب الأعظم، تقديراً لجهوده.‏
وتعتمد أوروبا في قضايا الدفاع على الولايات المتحدة، لكن بايدن في هذه الزيارة ركز على حاجة الأوروبيين إلى بذل ‏مزيد من الجهود، وقال: يجب أن نستمر حتى تفوز أوكرانيا بسلام عادل ودائم.. كما يجب أن نحافظ على دعمنا.‏
لكن بايدن يعرف أكثر من غيره أن هذه المسألة تتوقف على من سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية.. ومن ‏المعروف أن أميركا أكبر مزود للنظام الأوكراني بالسلاح، تليها ألمانيا لكن بفارق كبير، إذ إن حجم المساعدات ‏الألمانية العسكرية لأوكرانيا لا يكاد يذكر مقارنة بالأميركية.‏
ومن المتوقع أن تنتهي أيام السخاء الأميركي بمجرد مغادرة بايدن البيت الأبيض، وحتى لو فازت هاريس فمن المرجح ‏أن يتحوّل اهتمام أميركا نحو أولويات أخرى في السياسة الخارجية، مثل الصين وتايوان.‏
أما بالنسبة لترامب، فإنه خلال إدارته بين عامي 2016-2020، كانت العلاقات مع الضفة الأوروبية الأطلسية ‏مضطربة، مع ميله الكبير باتجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث يصرح بصورة دائمة بأنه معجب به، وأنه لو ‏كان رئيساً لما وقعت حرب أوكرانيا، ولاحقاً بات ترامب يصرح بأنه قادر على إنهاء هذه الحرب في 24 ساعة.‏
وعلى الرغم من الحديث المتكرر في دوائر حلف شمال الأطلسي «ناتو» حول «حماية الدفاع الأوروبي من ترامب» ‏قبل الانتخابات الأميركية، إلا أن هناك القليل من الدلائل على حدوث ذلك بالفعل على أرض الواقع، أو أن ‏أوروبا ستكون قادرة على المضي قدماً بمفردها إذا اضطرت لذلك.‏
‏ وكان المستشار الألماني أولاف شولتز وعد بعد بدء الحرب الأوكرانية في عام 2022 بما سماه نقطة تحول تاريخية ‏على المستوى الأوروبي، حيث ستتجاوز بلاده ظل ماضيها النازي وتستثمر بشكل كبير في جيشها للمساهمة بشكل ‏كامل في الدفاع المشترك عن حلفائها.‏
وهذا الأسبوع، زعم رؤساء الاستخبارات الألمانية أن استمرار روسيا في الاستثمار بجيشها سيجعلها في وضع ‏يسمح لها بمهاجمة «ناتو» بحلول نهاية العقد الجاري.‏
لكن الإصلاح العسكري المخطط له في ألمانيا تعثر بسبب البيروقراطية، إذ لم توافق الحكومة حتى الآن على ميزانية ‏دفاع مستقبلية.‏
ويرى محللون أن بايدن قلق بشأن العزيمة الأوروبية، مع وجود علامات على انتشار «إرهاق أوكرانيا»، بينما ‏يتصارع الحلفاء في أوروبا مع تحدياتهم الداخلية.. إذ يواجه شولتز- على سبيل المثال- ضغوطاً كبيرة في الداخل من ‏أقصى اليمين وأقصى اليسار، وكلاهما متعاطف مع الرواية الروسية بخصوص أوكرانيا.‏
يشار إلى أن بريطانيا وفرنسا انضمتا إلى اجتماع بايدن وشولتز باجتماع رباعي بحث تطورات الشرق الأوسط ‏خصوصاً ما يتعلق بإيران، وفي ختام الاجتماع صدر بيان أكد مواصلة دعم النظام الأوكراني.
وخلال الاجتماع زعم رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن روسيا أصبحت أضعف، وأن الحرب استهلكت 40 ‏بالمئة من ميزانيتها، مشيراً إلى أنه ناقش مع الزعماء الآخرين «أي قدرات إضافية، وأي معدات إضافية، وأي موارد ‏إضافية» يمكنهم مساعدة أوكرانيا بها، من دون أن يقدم المزيد من التفاصيل.‏

وفيما كان زيلينسكي ينتظر ما هو أبعد وأكبر من بيان مستعجل مقتضب تكون فيه أوكرانيا على هامش تطورات ‏الشرق الأوسط، لم يجدد ما يقوله سوى تكرار المطالب نفسها بالانضمام إلى «ناتو» والسماح له باستخدام الأسلحة ‏الغربية البعيدة المدى لاستهداف الأراضي الروسية، وهذا ما تم رفضه حتى الآن.. أما «خطة النصر» التي قدمها فيبدو ‏أنها لم تكن حاضرة على طاولة الاجتماع الرباعي.‏
ويتهم منتقدو جو بايدن ومعه الأوروبيون بالتلكؤ خوفاً من التصعيد مع روسيا. فيما ركز محللون بالمقابل على عبثية ‏اجتماع هؤلاء الأربعة، حيث بايدن في طريقه إلى مغادرة البيت الأبيض، وشولتز سيخسر الانتخابات العامة في بلاده ‏حسب التوقعات، بينما إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي متعثر سياسياً في الداخل.. أما رئيس الوزراء البريطاني كير ‏ستارمر فلا تقل أزماته الداخلية عن ماكرون في ظل قضايا فساد متهم بها، على رأسها تورط زوجته في مسار «إنفاق ‏مفرط» على المستوى الشخصي في ظل إجراءات التقشف المفروضة.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار