مَن سيدفعُ الفاتورة؟

صمتت كافة المنظمات الدولية والجهات والدول التي بالغت في استعراض “حرصها” على ‏مصالح السوريين، إزاء أي نقاش بصوتٍ عالٍ لملف اللجوء.‏
‏وكان الصمت الدولي مريباً أمام الخطوات المتسارعة التي اتخذتها سورية في سياق هذا ‏الملف، لاسيما مرسوم العفو «الكبير» الذي كان نقطة تحوّل حقيقية في تعاطي الحكومة مع ‏هذا الشأن لجهة امتداداته واستطالاته الخارجية.‏
‏ فالمرسوم سمح بعودة كل سوري لاجئ وتسوية أوضاع الجميع، أي إسقاط حق الدولة أمام ‏مختلف أشكال الارتكابات التي تعرضت لها، والاستثناء كان فقط فيما يتعلق بالحقوق ‏الشخصية للمواطنين فهذه لاتسقط إلا بشكل شخصي.
مرسوم كان يجب أن يحظى بصدى دولي كبير، لكن ذلك لم يحصل، وتم تجاهله بطريقة ‏مريبة، كإجراء أو استحقاق أوفت به الحكومة السورية، في سياق «الخطوة مقابل خطوة» ‏وهو المصطلح الذي أدمن ترداده كل الذين بالغوا في إظهار عنايتهم الفائقة باللاجئين وتسوية ‌‏«المسألة السورية» عموماً، مع الإشارة إلى أن معظم من بالغوا.. برعوا في استثمار اللاجئين ‏لابتزاز المنظمات الدولية والحصول على «أطنان» من الأموال تحت عنوان نفقات اللاجئين.‏
لقد فتحت سورية أبوابها على مصراعيها، لعودة من يشاء العودة، وقد عادت بالفعل أفواج من ‏اللاجئين، وتمت تسوية أوضاعهم، لكن السؤال الأهم والمحوري هنا: إلى أين سيعود اللاجئون؟
فمن منطلق «الخطوة مقابل خطوة» ذاته، على الجميع أن يجيب على سؤال.. بشأن الخطوة ‏المقابلة للخطوة السورية التي تمثلت بمرسوم العفو والصفح وفتح بوابات العودة لمن يشاء، ‏ماذا فعل كل “الحريصين” كخطوة مقابلة؟
لقد كشفت وقائع الحرب على لبنان وماتسببت به من عودة قسرية للاجئين السوريين، عن ‏هشاشة منظومة التعاطي الدولي مع هذا الملف، فقد عاد إلى البلاد مئات الآلاف لكن إلى حيث ‏لامأوى وسط الدمار الذي خلفته الحرب الإرهابية في مناطقهم، والتي ما زال بعضها تحت ‏سيطرة ميليشيات تابعة أما للتركي أو الأميركي، فكانت مهمة الحكومة والمجتمع الأهلي في ‏سورية صعبة لاحتضان هؤلاء وتأمين أماكن لائقة تؤويهم، وتدبير حلول مؤقتة لاستيعاب آثار ‏الظرف المباغت.‏
العائدون من لبنان إلى سورية اليوم، يفترض أن يكونوا صرخة عالية وبعيدة الصدى والمدى ‏في وجه المجتمع الدولي، لسؤاله عما فعله وعما قدمه لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى ‏بلدهم، أي ليس مجرد التنطع بالأقاويل والتابلوهات الجاهزة.. لاسيما أن الكرة «الخطوة» ‏باتت في مرماهم لا في المرمى السوري.
عودة اللاجئين تقترن في الواقع، بملف إعمار سورية وفاتورته الباهظة.. والسؤال: من سيسدد ‏ويدفع ثمن ما تم تدميره..؟
أموال طائلة تم الدفع من الخارج بها لتدمير سورية، والاعترافات تتوالى بهذا الصدد على ‏ألسنة من موّلوا وبالأرقام الدقيقة والمثيرة للدهشة بالفعل.. فمن دفع للتدمير عليه أن يدفع ‏للإعمار.. وهذا منطق الأشياء والحياة والأخلاق.. والقانون أيضاً.. على طريقة ” يداك أوكتا ‏وفوك نفخ”.‏
المسألة ليست بحاجة إلى انعقاد مجلس الأمن ولا محاكم دولية، بل هي مسألة إنسانية يجب أن ‏تكون أولوية راهنة على قائمة مهام المنظمات الدولية عموماً، والعائدون من لبنان ليسوا إلا ‏تفصيلاً في مشهد كبير، تشكل تعقيداته تحدياً للمجتمع الدولي قبل أن تكون تحدياً للحكومة ‏السورية، التي أبرأت ذمتها وفعلت ما في وسعها فعله حتى الآن.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار